الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الأم ***
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى النَّاسِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ ذَكَرٍ وَأُنْثَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ. أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَلَى الْحُرِّ وَالْعَبْدِ وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى مِمَّنْ يُمَوَّنُونَ. أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ: كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَبِهَذَا كُلِّهِ نَأْخُذُ وَفِي حَدِيثِ نَافِعٍ دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَفْرِضْهَا إلَّا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَذَلِكَ مُوَافَقَةٌ لِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِنَّهُ جَعَلَ الزَّكَاةَ لِلْمُسْلِمِينَ طَهُورًا وَالطَّهُورُ لاَ يَكُونُ إلَّا لِلْمُسْلِمِينَ وَفِي حَدِيثِ جَعْفَرٍ دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضَهَا عَلَى الْمَرْءِ فِي نَفْسِهِ وَمَنْ يُمَوِّنُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَفِي حَدِيثِ نَافِعٍ دَلاَلَةُ سُنَّةٍ بِحَدِيثِ جَعْفَرٍ إذْ فَرَضَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْحُرِّ وَالْعَبْدِ، وَالْعَبْدُ لاَ مَالَ لَهُ، وَبَيَّنَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا فَرَضَهَا عَلَى سَيِّدِهِ وَمَا لاَ اخْتِلاَفَ فِيهِ أَنَّ عَلَى السَّيِّدِ فِي عَبْدِهِ وَأَمَتِهِ زَكَاةَ الْفِطْرِ وَهُمَا مِمَّنْ يُمَوِّنُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَعَلَى كُلِّ رَجُلٍ لَزِمَتْهُ مُؤْنَةُ أَحَدٍ حَتَّى لاَ يَكُونَ لَهُ تَرْكُهَا أَدَاءُ زَكَاةِ الْفِطْرِ عَنْهُ، وَذَلِكَ مَنْ جَبَرْنَاهُ عَلَى نَفَقَتِهِ مِنْ وَلَدِهِ الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ الزَّمْنَى الْفُقَرَاءِ وَآبَائِهِ وَأُمَّهَاتِهِ الزَّمْنَى الْفُقَرَاءِ وَزَوْجَتِهِ وَخَادِمٍ لَهَا، فَإِنْ كَانَ لَهَا أَكْثَرُ مِنْ خَادِمٍ لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يُزَكِّيَ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْهُ وَلَزِمَهَا تَأْدِيَةُ زَكَاةِ الْفِطْرِ عَمَّنْ بَقِيَ مِنْ رَقِيقِهَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَعَلَيْهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ فِي رَقِيقِهِ الْحُضُورِ وَالْغُيَّبِ رَجَا رَجْعَتَهُمْ، أَوْ لَمْ يَرْجُ إذَا عَرَفَ حَيَاتَهُمْ؛ لِأَنَّ كُلًّا فِي مِلْكِهِ، وَكَذَلِكَ أُمَّهَاتُ أَوْلاَدِهِ وَالْمُعْتَقُونَ إلَى أَجَلٍ مِنْ رَقِيقِهِ وَمَنْ رَهَنَ مِنْ رَقِيقِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ هَؤُلاَءِ فِي مِلْكِهِ، وَإِنْ كَانَ فِيمَنْ يُمَوِّنُ كَافِرٌ لَمْ يَلْزَمْهُ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لاَ يَطْهُرْ بِالزَّكَاةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَرَقِيقُ رَقِيقِهِ رَقِيقُهُ، فَعَلَيْهِ أَنْ يُزَكِّيَ عَنْهُمْ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ كَانَ وَلَدُهُ فِي وِلاَيَتِهِ لَهُمْ أَمْوَالٌ فَعَلَيْهِ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ عَنْهُمْ زَكَاةَ الْفِطْرِ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ فَيُخْرِجَهَا مِنْ مَالِهِ عَنْهُمْ فَتُجْزِي عَنْهُمْ، فَإِذَا تَطَوَّعَ حُرٌّ مِمَّنْ يُمَوِّنُ الرَّجُلُ فَأَخْرَجَ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ نَفْسِهِ، أَوْ امْرَأَتِهِ كَانَتْ، أَوْ ابْنٍ لَهُ، أَوْ أَبٍ، أَوْ أُمٍّ أَجْزَأَ عَنْهُمْ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يُخْرِجَ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْهُمْ ثَانِيَةً، فَإِنْ تَطَوَّعُوا بِبَعْضِ مَا عَلَيْهِمْ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُتِمَّ الْبَاقِيَ عَنْهُمْ مِنْ زَكَاةِ الْفِطْرِ. قال: وَمَنْ قُلْت يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُزَكِّيَ عَنْهُ زَكَاةَ الْفِطْرِ، فَإِذَا وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ، أَوْ كَانَ أَحَدٌ فِي مِلْكِهِ، أَوْ عِيَالِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ نَهَارِ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ فَغَابَتْ الشَّمْسُ لَيْلَةَ هِلاَلِ شَوَّالٍ وَجَبَتْ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَنْهُ، وَإِنْ مَاتَ مِنْ لَيْلَتِهِ، وَإِذَا غَابَتْ الشَّمْسُ مِنْ لَيْلَةِ الْفِطْرِ ثُمَّ وُلِدَ بَيْنَهُمْ، أَوْ صَارَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فِي عِيَالِهِ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ فِي عَامِهِ ذَلِكَ عَنْهُ، وَكَانَ فِي سُقُوطِ زَكَاةِ الْفِطْرِ عَنْهُ كَالْمَالِ يَمْلِكُهُ بَعْدَ الْحَوْلِ، وَإِنْ كَانَ عَبْدٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَجُلٍ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُزَكِّيَ عَنْهُ مِنْ زَكَاةِ الْفِطْرِ بِقَدْرِ مَا يَمْلِكُ مِنْهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ بَاعَ عَبْدًا عَلَى أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ فَأَهَلَّ هِلاَلُ شَوَّالٍ وَلَمْ يَخْتَرْ إنْفَاذَ الْبَيْعِ ثُمَّ أَنْفَذَهُ فَزَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى الْبَائِعِ. قَالَ الرَّبِيعُ: وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَهُ عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ فَأَهَلَّ هِلاَلُ شَوَّالٍ وَالْعَبْدُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَاخْتَارَ الْمُشْتَرِي وَالْبَائِعُ إجَازَةَ الْبَيْعِ، أَوْ رَدَّهُ فَهُمَا سَوَاءٌ وَزَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى الْبَائِعِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَوْ بَاعَ رَجُلٌ رَجُلاً عَبْدًا عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ فَأَهَلَّ هِلاَلُ شَوَّالٍ قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ الرَّدَّ، أَوْ الْأَخْذَ كَانَتْ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَإِنْ اخْتَارَ رَدَّ الْبَيْعِ إلَّا أَنْ يَخْتَارَهُ قَبْلَ الْهِلاَلِ وَسَوَاءٌ كَانَ الْعَبْدُ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، أَوْ الْبَائِعِ إنَّمَا أَنْظُرُ إلَى مَنْ يَمْلِكُهُ فَأَجْعَلُ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَلَيْهِ. قَالَ: لَوْ غَصَبَ رَجُلٌ عَبْدَ رَجُلٍ كَانَتْ زَكَاةُ الْفِطْرِ فِي الْعَبْدِ عَلَى مَالِكِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَأْجَرَهُ وَشَرَطَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ نَفَقَتَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَيُؤَدِّي زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ رَقِيقِهِ الَّذِي اشْتَرَى لِلتِّجَارَةِ وَيُؤَدِّي عَنْهُمْ زَكَاةَ التِّجَارَةِ مَعًا وَعَنْ رَقِيقِهِ لِلْخِدْمَةِ وَغَيْرِهَا وَجَمِيعِ مَا يَمْلِكُ مِنْ خَدَمٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ وَهَبَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ عَبْدًا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فَلَمْ يَقْبِضْهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ حَتَّى أَهَلَّ شَوَّالٌ وَقَفْنَا زَكَاةَ الْفِطْرِ، فَإِنْ أَقْبَضَهُ إيَّاهُ فَزَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهُ فَالزَّكَاةُ عَلَى الْوَاهِبِ، لَوْ قَبَضَهُ قَبْلَ اللَّيْلِ ثُمَّ غَابَتْ الشَّمْسُ، هُوَ فِي مِلْكِهِ مَقْبُوضًا لَهُ كَانَتْ عَلَيْهِ فِيهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ، لَوْ رَدَّهُ مِنْ سَاعَتِهِ. قال: وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا مَلَكَ بِهِ رَجُلٌ رَجُلاً عَبْدًا، أَوْ أَمَةً. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا أَعْتَقَ رَجُلٌ نِصْفَ عَبْدٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَجُلٍ وَلَمْ يَكُنْ مُوسِرًا فَبَقِيَ نِصْفُهُ رَقِيقًا لِرَجُلٍ فَعَلَيْهِ فِي نِصْفِهِ نِصْفُ زَكَاةِ الْفِطْرِ، وَإِنْ كَانَ لِلْعَبْدِ مَا يَقُوتُ نَفْسَهُ لَيْلَةَ الْفِطْرِ وَيَوْمَهُ وَيُؤَدِّي النِّصْفَ عَنْ نَفْسِهِ فَعَلَيْهِ أَدَاءُ زَكَاةِ النِّصْفِ عَنْ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ مَا اكْتَسَبَ فِي يَوْمِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ مَالاً قِرَاضًا فَاشْتَرَى بِهِ رَقِيقًا فَأَهَلَّ شَوَّالٌ قَبْلَ أَنْ يُبَاعُوا فَزَكَاتُهُمْ عَلَى رَبِّ الْمَالِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَوْ مَاتَ رَجُلٌ لَهُ رَقِيقٌ فَوَرِثَهُ وَرَثَتُهُ قَبْلَ هِلاَلِ شَوَّالٍ ثُمَّ أَهَلَّ هِلاَلُ شَوَّالٍ وَلَمْ يَخْرُجْ الرَّقِيقُ مِنْ أَيْدِيهِمْ فَعَلَيْهِمْ فِيهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ بِقَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ مِنْهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَوْ أَرَادَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَدَعَ نَصِيبَهُ مِنْ مِيرَاثِهِ لَزِمَهُ زَكَاةُ الْفِطْرِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَزِمَهُ مِلْكُهُ لَهُ بِكُلِّ حَالٍ، لَوْ أَنَّهُ مَاتَ حِينَ أَهَلَّ هِلاَلُ شَوَّالٍ وَوَرِثَهُ وَرَثَتُهُ كَانَتْ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَنْهُ وَعَمَّنْ يَمْلِكُ فِي مَالِهِ مُبْدَاةً عَلَى الدَّيْنِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمِيرَاثِ وَالْوَصَايَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَوْ مَاتَ رَجُلٌ فَأَوْصَى لِرَجُلٍ بِعَبْدٍ، أَوْ بِعَبِيدٍ، فَإِنْ كَانَ مَوْتُهُ بَعْدَ هِلاَلِ شَوَّالٍ فَزَكَاةُ الْفِطْرِ عَنْ الرَّقِيقِ فِي مَالِهِ، وَإِنْ كَانَ مَوْتُهُ قَبْلَ شَوَّالٍ فَلَمْ يُرِدْ الرَّجُلُ الْوَصِيَّةَ وَلَمْ يَقْبَلْهَا، أَوْ عَلِمَهَا، أَوْ لَمْ يَعْلَمْهَا حَتَّى أَهَلَّ شَوَّالٌ فَصَدَقَةُ الْفِطْرِ عَنْهُمْ مَوْقُوفَةٌ، فَإِذَا أَجَازَ الْمُوصَى لَهُ قَبُولَ الْوَصِيَّةِ فَهِيَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُمْ خَارِجُونَ مِنْ مِلْكِ الْمَيِّتِ، وَإِنَّ وَرَثَتَهُ غَيْرُ مَالِكِينَ لَهُمْ، فَإِنْ اخْتَارَ رَدَّ الْوَصِيَّةِ فَلَيْسَتْ عَلَيْهِ صَدَقَةُ الْفِطْرِ عَنْهُمْ، وَعَلَى الْوَرَثَةِ إخْرَاجُ الزَّكَاةِ عَنْهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا مَوْقُوفِينَ عَلَى مِلْكِهِمْ، أَوْ مِلْكِ الْمُوصَى لَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَوْ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ بِهِمْ قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ قَبُولَهُمْ، أَوْ رَدَّهُمْ قَامَ وَرَثَتُهُ مَقَامَهُ فِي اخْتِيَارِ قَبُولِهِمْ، أَوْ رَدِّهِمْ، فَإِنْ قَبِلُوهُمْ فَزَكَاةُ الْفِطْرِ عَنْهُمْ فِي مَالِ أَبِيهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ بِمِلْكِهِ مَلَكُوهُمْ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعُوا بِهَا مِنْ أَمْوَالِهِمْ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَذَا إذَا أُخْرِجُوا مِنْ الثُّلُثِ وَقَبِلَ الْمُوصَى لَهُ الْوَصِيَّةَ، فَإِنْ لَمْ يُخْرَجُوا مِنْ الثُّلُثِ فَهُمْ شُرَكَاءُ الْوَرَثَةِ فِيهِمْ، وَزَكَاةُ الْفِطْرِ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ مِيرَاثِ الْوَرَثَةِ وَوَصِيَّةِ أَهْلِ الْوَصَايَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَوْ أَوْصَى بِرَقَبَةِ عَبْدٍ لِرَجُلٍ وَخِدْمَتِهِ لِآخِرِ حَيَاتِهِ، أَوْ وَقْتًا فَقَبِلاَ، كَانَتْ صَدَقَةُ الْفِطْرِ عَلَى مَالِكِ الرَّقَبَةِ، لَوْ لَمْ يَقْبَلْ كَانَتْ صَدَقَةُ الْفِطْرِ عَلَى الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّهُمْ يَمْلِكُونَ رَقَبَتَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَوْ مَاتَ رَجُلٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَتَرَكَ رَقِيقًا، فَإِنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ فِي مَالِهِ عَنْهُمْ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ شَوَّالٍ زَكَّى عَنْهُمْ الْوَرَثَةُ؛ لِأَنَّهُمْ فِي مِلْكِهِمْ حَتَّى يُخْرَجُوا بِأَنْ يُبَاعُوا بِالْمَوْتِ، أَوْ الدَّيْنِ وَهَؤُلاَءِ يُخَالِفُونَ الْعَبِيدَ يُوصَى بِهِمْ، الْعَبِيدُ يُوصَى بِهِمْ خَارِجُونَ بِأَعْيَانِهِمْ مِنْ مَالِهِ إذَا قَبِلَ الْوَصِيَّةَ الْمُوصَى لَهُ وَهَؤُلاَءِ إنْ شَاءَ الْوَرَثَةُ لَمْ يُخْرَجُوا مِنْ مَالِهِ بِحَالٍ إذَا أَدَّوْا الدَّيْنَ، فَإِنْ كَانَ لِرَجُلٍ مُكَاتَبٌ كَاتَبَهُ كِتَابَةً فَاسِدَةً، فَهُوَ مِثْلُ رَقِيقِهِ يُؤَدِّي عَنْهُ زَكَاةَ الْفِطْرِ، وَإِنْ كَانَتْ كِتَابَتُهُ صَحِيحَةً فَلَيْسَتْ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ مَالِهِ وَبَيْعِهِ وَلاَ عَلَى الْمُكَاتَبِ زَكَاةُ الْفِطْرِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ تَامِّ الْمِلْكِ عَلَى مَالِهِ، وَإِنْ كَانَتْ لِرَجُلٍ أُمُّ وَلَدٍ، أَوْ مُدَبَّرَةٌ فَعَلَيْهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ فِيهِمَا مَعًا؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لَهُمَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَوْ مَاتَ رَجُلٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَتَرَكَ رَقِيقًا، فَإِنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ فِي مَالِهِ عَنْهُمْ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ شَوَّالٍ زَكَّى عَنْهُمْ الْوَرَثَةُ؛ لِأَنَّهُمْ فِي مِلْكِهِمْ حَتَّى يُخْرَجُوا بِأَنْ يُبَاعُوا بِالْمَوْتِ، أَوْ الدَّيْنِ وَهَؤُلاَءِ يُخَالِفُونَ الْعَبِيدَ يُوصَى بِهِمْ، الْعَبِيدُ يُوصَى بِهِمْ خَارِجُونَ بِأَعْيَانِهِمْ مِنْ مَالِهِ إذَا قَبِلَ الْوَصِيَّةَ الْمُوصَى لَهُ وَهَؤُلاَءِ إنْ شَاءَ الْوَرَثَةُ لَمْ يُخْرَجُوا مِنْ مَالِهِ بِحَالٍ إذَا أَدَّوْا الدَّيْنَ، فَإِنْ كَانَ لِرَجُلٍ مُكَاتَبٌ كَاتَبَهُ كِتَابَةً فَاسِدَةً، فَهُوَ مِثْلُ رَقِيقِهِ يُؤَدِّي عَنْهُ زَكَاةَ الْفِطْرِ، وَإِنْ كَانَتْ كِتَابَتُهُ صَحِيحَةً فَلَيْسَتْ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ مَالِهِ وَبَيْعِهِ وَلاَ عَلَى الْمُكَاتَبِ زَكَاةُ الْفِطْرِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ تَامِّ الْمِلْكِ عَلَى مَالِهِ، وَإِنْ كَانَتْ لِرَجُلٍ أُمُّ وَلَدٍ، أَوْ مُدَبَّرَةٌ فَعَلَيْهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ فِيهِمَا مَعًا؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لَهُمَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَيُؤَدِّي وَلِيُّ الْمَعْتُوهِ وَالصَّبِيِّ عَنْهُمَا زَكَاةَ الْفِطْرِ وَعَمَّنْ تَلْزَمُهُمَا مُؤْنَتُهُ كَمَا يُؤَدِّي الصَّحِيحُ عَنْ نَفْسِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلاَ يَقِفُ الرَّجُلُ عَنْ زَكَاةِ عَبْدِهِ الْغَائِبِ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ مُنْقَطِعَ الْخَبَرِ عَنْهُ حَتَّى يَعْلَمَ مَوْتَهُ قَبْلَ هِلاَلِ شَوَّالٍ، فَإِنْ فَعَلَ فَعَلِمَ أَنَّهُ مَاتَ قَبْلَ شَوَّالٍ لَمْ يُؤَدِّ عَنْهُ زَكَاةَ الْفِطْرِ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَيْقِنْ أَدَّى عَنْهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا غَابَ الرَّجُلُ عَنْ بَلَدِ الرَّجُلِ، لَمْ يَعْرِفْ مَوْتَهُ وَلاَ حَيَاتَهُ فِي سَاعَةِ زَكَاةِ الْفِطْرِ فَلْيُؤَدِّ عَنْهُ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ غِلْمَانِهِ الَّذِينَ بِوَادِي الْقُرَى وَخَيْبَرَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَكُلُّ مَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ شَوَّالٌ وَعِنْدَهُ قُوتُهُ وَقُوتُ مَنْ يَقُوتُهُ يَوْمَهُ وَمَا يُؤَدِّي بِهِ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْهُ وَعَنْهُمْ أَدَّاهَا عَنْهُمْ وَعَنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إلَّا مَا يُؤَدِّي عَنْ بَعْضِهِمْ أَدَّاهَا عَنْ بَعْضٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إلَّا سِوَى مُؤْنَتِهِ وَمُؤْنَتِهِمْ يَوْمَهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ وَلاَ عَلَى مَنْ يَقُوتُ عَنْهُ زَكَاةُ الْفِطْرِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ كَانَ أَحَدٌ مِمَّنْ يَقُوتُ وَاجِدًا لِزَكَاةِ الْفِطْرِ لَمْ أُرَخِّصْ لَهُ أَنْ يَدَعَ أَدَاءَهَا عَنْ نَفْسِهِ، وَلاَ يَبِينُ لِي أَنْ تَجِبَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا مَفْرُوضَةٌ عَلَى غَيْرِهِ فِيهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلاَ بَأْسَ أَنْ يُؤَدِّيَ زَكَاةَ الْفِطْرِ وَيَأْخُذَهَا إذَا كَانَ مُحْتَاجًا وَغَيْرَهَا مِنْ الصَّدَقَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ وَغَيْرِهَا، وَكُلُّ مُسْلِمٍ فِي الزَّكَاةِ سَوَاءٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَيْسَ عَلَى مَنْ لاَ عَرَضَ لَهُ وَلاَ نَقْدَ وَلاَ يَجِدُ قُوتَ يَوْمِهِ أَنْ يَسْتَسْلِفَ زَكَاةً.
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ عَلَى النَّاسِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ ذَكَرٍ وَأُنْثَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: لاَ زَكَاةَ فِطْرٍ إلَّا عَلَى مُسْلِمٍ، وَعَلَى الرَّجُلِ أَنْ يُزَكِّيَ عَنْ كُلِّ أَحَدٍ لَزِمَهُ مُؤْنَتُهُ صِغَارًا، أَوْ كِبَارًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَيَلْزَمُهُ نَفَقَةُ امْرَأَتِهِ وَخَادِمٍ لَهَا لاَ أَكْثَرَ مِنْهَا وَيَلْزَمُ امْرَأَتَهُ تَأْدِيَةُ الزَّكَاةِ عَمَّنْ بَقِيَ مِنْ رَقِيقِهَا وَيَلْزَمُ مَنْ كَانَ لَهُ رَقِيقٌ حُضُورًا، أَوْ غُيَّبًا كَانُوا لِلتِّجَارَةِ، أَوْ لِخِدْمَةٍ رَجَا رُجُوعَهُمْ، أَوْ لَمْ يَرْجُهُ إذَا عَرَفَ حَيَاتَهُمْ أَنْ يُزَكِّيَ عَنْهُمْ، وَكَذَلِكَ يُزَكِّي عَنْ رَقِيقِ رَقِيقِهِ وَيُزَكِّي عَنْ أُمَّهَاتِ الْأَوْلاَدِ وَالْمُعْتَقِينَ إلَى أَجَلٍ، وَلاَ زَكَاةَ عَلَى أَحَدٍ فِي عَبْدٍ كَافِرٍ وَلاَ أَمَةٍ كَافِرَةٍ، وَمَنْ قُلْت تَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ، فَإِذَا وُلِدَ، أَوْ كَانَ فِي مِلْكِهِ، أَوْ عِيَالِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ نَهَارِ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ فَغَابَتْ الشَّمْسُ لَيْلَةَ هِلاَلِ شَوَّالٍ وَجَبَتْ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَنْهُ، وَإِنْ مَاتَ مِنْ لَيْلَتِهِ، وَإِذَا غَابَتْ الشَّمْسُ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ ثُمَّ وُلِدَ لَهُ، أَوْ ثَارَ أَحَدٌ فِي عِيَالِهِ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ، وَذَلِكَ كَمَالٍ يَمْلِكُهُ بَعْدَ الْحَوْلِ، وَإِنَّمَا تَجِبُ إذَا كَانَ عِنْدَهُ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ ثُمَّ حَلَّ هُوَ عِنْدَه. ، وَإِذَا اشْتَرَى رَجُلٌ عَبْدًا عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ فَأَهَلَّ شَوَّالٌ قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ الرَّدَّ، أَوْ الْأَخْذَ فَاخْتَارَ الرَّدَّ، أَوْ الْأَخْذَ فَالزَّكَاةُ عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ إذَا وَجَبَ بَيْعُهُ وَلَمْ يَكُنْ الْخِيَارُ إلَّا لَهُ، فَالْبَيْعُ لَهُ، وَإِنْ اخْتَارَ رَدَّهُ بِالشَّرْطِ فَهُوَ كَمُخْتَارٍ رَدَّهُ بِالْعَيْبِ وَسَوَاءٌ كَانَ الْعَبْدُ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، أَوْ الْبَائِعِ إنَّمَا أَنْظُرُ إلَى مَنْ يَمْلِكُهُ فَأَجْعَلُ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَلَيْهِ. ، لَوْ غَصَبَ رَجُلٌ عَبْدًا كَانَتْ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى مَالِكِهِ. ، لَوْ اسْتَأْجَرَ رَجُلٌ عَبْدًا وَشَرَطَ عَلَيْهِ نَفَقَتَهُ كَانَتْ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى سَيِّدِ الْعَبْدِ. ، وَإِنْ وَهَبَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ عَبْدًا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فَلَمْ يَقْبِضْهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ حَتَّى أَهَلَّ شَوَّالٌ وَقَفْنَا زَكَاةَ الْفِطْرِ، فَإِنْ أَقْبَضَهُ إيَّاهُ زَكَّاهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يُقْبِضْهُ زَكَّاهُ الْوَاهِبُ، وَإِنْ قَبَضَهُ قَبْلَ اللَّيْلِ ثُمَّ غَابَتْ الشَّمْسُ فَرَدَّهُ فَعَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ زَكَاةُ الْفِطْرِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا مَلَّكَ بِهِ رَجُلٌ رَجُلاً عَبْدًا، أَوْ أَمَةً. لَوْ مَاتَ رَجُلٌ وَلَهُ رَقِيقٌ فَوَرِثَهُ وَرَثَتُهُ قَبْلَ هِلاَلِ شَوَّالٍ ثُمَّ أَهَلَّ شَوَّالٌ وَلَمْ يَخْرُجْ الرَّقِيقُ مِنْ أَيْدِيهِمْ فَعَلَيْهِمْ فِيهِمْ زَكَاةُ الْفِطْرِ بِقَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ، لَوْ أَرَادَ أَحَدُهُمْ أَنْ يَدَعَ نَصِيبَهُ مِنْ مِيرَاثِهِ بَعْدَمَا أَهَلَّ شَوَّالٌ فَعَلَيْهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَزِمَهُ بِكُلِّ حَالٍ. وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَعْضُهُ حُرٌّ وَبَعْضُهُ رَقِيقٌ، أَدَّى الَّذِي لَهُ فِيهِ الْمِلْكُ بِقَدْرِ مَا يَمْلِكُ وَعَلَى الْعَبْدِ أَنْ يُؤَدِّيَ مَا بَقِيَ وَلِلْعَبْدِ مَا كَسَبَ فِي يَوْمِهِ إنْ كَانَ لَهُ مَا يَقُوتُهُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَلَيْلَتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَضْلُ مَا يَقُوتُ نَفْسَهُ لَيْلَةَ الْفِطْرِ وَيَوْمَهُ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ. وَإِذَا اشْتَرَى الْمُقَارِضُ رَقِيقًا فَأَهَلَّ شَوَّالٌ وَهُمْ عِنْدَهُ فَعَلَى رَبِّ الْمَالِ زَكَاتُهُمْ. ، وَإِذَا مَاتَ الرَّجُلُ حِينَ أَهَلَّ شَوَّالٌ فَالزَّكَاةُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ مُبَدَّاةٌ عَلَى الدَّيْنِ وَالْوَصَايَا يُخْرِجُ عَنْهُ وَعَمَّنْ يَمْلِكُ وَيُمَوِّنُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ تَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ عَلَيْهِمْ. لَوْ مَاتَ رَجُلٌ وَأَوْصَى لِرَجُلٍ بِعَبْدٍ، فَإِنْ كَانَ مَوْتُهُ بَعْدَ هِلاَلِ شَوَّالٍ وَخَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ فَالزَّكَاةُ عَلَى السَّيِّدِ فِي مَالِهِ، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ هِلاَلِ شَوَّالٍ فَالزَّكَاةُ عَلَى الْمُوصَى لَهُ إنْ قَبِلَ الْوَصِيَّةَ، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْهَا، أَوْ عَلِمَهَا، أَوْ لَمْ يَعْلَمْهَا فَالزَّكَاةُ مَوْقُوفَةٌ، فَإِنْ اخْتَارَ أَخْذَهُ فَالزَّكَاةُ عَلَيْهِ، وَإِنْ رَدَّهُ فَعَلَى الْوَرَثَةِ إخْرَاجُ الزَّكَاةِ عَنْ الْعَبْدِ، وَإِنْ لَمْ يُخْرَجْ مِنْ الثُّلُثِ فَهُوَ شَرِيكٌ لِلْوَرَثَةِ إنْ قَبِلَ الْوَصِيَّةَ وَالزَّكَاةُ عَلَيْهِمْ كَهِيَ عَلَى الشُّرَكَاءِ، وَإِنْ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ قَبُولَهُمْ، أَوْ رَدَّهُمْ فَوَرَثَتُهُ يَقُومُونَ مَقَامَهُ، فَإِنْ اخْتَارُوا قَبُولَهُ فَعَلَيْهِمْ زَكَاةُ الْفِطْرِ فِي مَالِ أَبِيهِمْ. لَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِرَقَبَةِ عَبْدٍ وَخِدْمَتِهِ لِآخِرِ حَيَاةِ الْمُوصَى لَهُ فَزَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى مَالِكِ الرَّقَبَةِ، لَوْ لَمْ يَقْبَلْ الْمُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ كَانَتْ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى الْوَرَثَةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ مَاتَ رَجُلٌ وَلَهُ رَقِيقٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ بَعْدَ هِلاَلِ شَوَّالٍ فَالزَّكَاةُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ عَنْهُ وَعَنْهُمْ، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْهِلاَلِ فَالزَّكَاةُ عَلَى الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّهُمْ فِي مِلْكِهِمْ حَتَّى يُخْرَجُوا فِي الدَّيْنِ. وَلاَ يُؤَدِّي الرَّجُلُ عَنْ مُكَاتَبِهِ إذَا كَانَتْ كِتَابَتُهُ صَحِيحَةً وَلاَ عَلَى الْمُكَاتَبِ أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْ نَفْسِهِ، فَإِنْ كَانَتْ كِتَابَتُهُ فَاسِدَةً فَهُوَ مِثْلُ رَقِيقِهِ فَيُؤَدِّي عَنْهُ زَكَاةَ الْفِطْرِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَيُؤَدِّي وَلِيُّ الصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ عَنْهُمَا وَعَمَّنْ تَلْزَمُهُمَا مُؤْنَتُهُ كَمَا يُؤَدِّي الصَّحِيحُ. وَكُلُّ مَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ هِلاَلُ شَوَّالٍ وَعِنْدَهُ قُوتُهُ وَقُوتُ مَنْ يَقُوتُهُ يَوْمَهُ وَلَيْلَتَهُ وَمَا يُؤَدِّي بِهِ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْهُمْ وَعَنْهُ أَدَّاهَا عَنْهُ وَعَنْهُمْ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إلَّا مَا يُؤَدِّي بِهِ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْهُ، أَوْ عَنْ بَعْضِهِمْ أَدَّاهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إلَّا قُوتُهُ وَقُوتُهُمْ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ وَاجِدٌ لِلْفَضْلِ عَنْ قُوتِ يَوْمِهِ أَدَّى عَنْ نَفْسِهِ إذَا لَمْ يُؤَدِّ عَنْهُ وَلاَ يَتَبَيَّنُ لِي أَنْ تَجِبَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا مَفْرُوضَةٌ عَلَى غَيْرِهِ فِيهِ وَلاَ بَأْسَ أَنْ يُؤَدِّيَ الرَّجُلُ زَكَاةَ الْفِطْرِ وَيَأْخُذَهَا وَغَيْرَهَا مِنْ الصَّدَقَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ وَالتَّطَوُّعِ وَكُلُّ مُسْلِمٍ فِي الزَّكَاةِ سَوَاءٌ وَلَيْسَ عَلَى أَحَدٍ لاَ شَيْءَ عِنْدَهُ أَنْ يَسْتَسْلِفَ زَكَاةَ الْفِطْرِ، وَإِنْ وَجَدَ مَنْ يُسَلِّفَهُ، لَوْ أَيْسَرَ بَعْدَ هِلاَلِ شَوَّالٍ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ؛ لِأَنَّ وَقْتَهَا قَدْ زَالَ هُوَ غَيْرُ وَاجِدٍ، لَوْ أَخْرَجَهَا كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا بَاعَ الرَّجُلُ عَبْدًا بَيْعًا فَاسِدًا فَزَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ مِلْكِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ رَهَنَهُ رَهْنًا فَاسِدًا، أَوْ صَحِيحًا فَزَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى مَالِكِهِ. وَإِذَا زَوَّجَ الرَّجُلُ أَمَتَهُ عَبْدًا فَعَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْهَا زَكَاةَ الْفِطْرِ، وَكَذَلِكَ الْمُكَاتَبُ، فَإِنْ زَوَّجَهَا حُرًّا فَعَلَى الْحُرِّ الزَّكَاةُ إذَا خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، فَإِنْ لَمْ يُخَلِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا فَعَلَى السَّيِّدِ الزَّكَاةُ، فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ الْحُرُّ مُعْسِرًا فَعَلَى سَيِّدِ الْأَمَةِ الزَّكَاةُ. وَإِذَا وَهَبَ الرَّجُلُ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ أَمَةً، أَوْ عَبْدًا وَلاَ مَالَ لِوَلَدِهِ غَيْرُهُ فَلاَ يَتَبَيَّنُ أَنْ تَجِبَ الزَّكَاةُ عَلَى أَبِيهِ؛ لِأَنَّ مُؤْنَتَهُ لَيْسَتْ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُرْضِعًا، أَوْ مَنْ لاَ غِنَى بِالصَّغِيرِ عَنْهُ فَيَلْزَمُ أَبَاهُ نَفَقَتُهُمْ وَالزَّكَاةُ عَنْهُمْ، وَإِنْ حَبَسَهُمْ أَبُوهُ لِخِدْمَةِ نَفْسِهِ، فَقَدْ أَسَاءَ وَلاَ يَتَبَيَّنُ أَنَّ عَلَيْهِ زَكَاةَ الْفِطْرِ فِيهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِمَّنْ تَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ عَلَيْهِمْ، فَإِنْ كَانَ لِابْنِهِ مَالٌ أَدَّى مِنْهُ عَنْ رَقِيقِ ابْنِهِ، وَإِنْ اسْتَأْجَرَ لِابْنِهِ مُرْضِعًا فَلَيْسَ عَلَى أَبِيهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَنْهَا، وَلَيْسَ لِغَيْرِ وَلِيِّ الصَّبِيِّ أَنْ يُخْرِجَ عَنْهُ زَكَاةَ فِطْرٍ، وَإِنْ أَخْرَجَهَا بِغَيْرِ أَمْرِ حَاكِمٍ ضَمِنَ.
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى النَّاسِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ. أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ: كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ. أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ دَاوُد بْنِ قَيْسٍ سَمِعَ عِيَاضَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ يَقُولُ: إنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ: كُنَّا نُخْرِجُ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ فَلَمْ نَزَلْ نُخْرِجُ ذَلِكَ حَتَّى قَدِمَ مُعَاوِيَةُ حَاجًّا، أَوْ مُعْتَمِرًا فَخَطَبَ النَّاسَ فَكَانَ فِيمَا كَلَّمَ النَّاسَ بِهِ أَنْ قَالَ إنِّي أَرَى: مُدَّيْنِ مِنْ سَمْرَاءِ الشَّامِ تَعْدِلُ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ فَأَخَذَ النَّاسُ بِذَلِكَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلاَ يُخْرَجُ مِنْ الْحِنْطَةِ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ إلَّا صَاعٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالثَّابِتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّمْرُ وَالشَّعِيرُ وَلاَ أَرَى أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ عَزَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضَهُ، إنَّمَا عَزَا أَنَّهُمْ كَانُوا يُخْرِجُونَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَفِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِمَّا يَقْتَاتُ الرَّجُلُ وَمِمَّا فِيهِ زَكَاةٌ. قال: وَأَيُّ قُوتٍ كَانَ الْأَغْلَبَ عَلَى رَجُلٍ أَدَّى مِنْهُ زَكَاةَ الْفِطْرِ، وَإِنْ وَجَدَ مَنْ يُسَلِّفُهُ، فَإِذَا أَفْلَسَ لَيْسَ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ فَلَوْ أَيْسَرَ مِنْ يَوْمِهِ، أَوْ مِنْ بَعْدِهِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ إخْرَاجُهَا مِنْ وَقْتِهَا؛ لِأَنَّ وَقْتَهَا كَانَ وَلَيْسَتْ عَلَيْهِ، لَوْ أَخْرَجَهَا كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ لَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا بَاعَ الرَّجُلُ الْعَبْدَ بَيْعًا فَاسِدًا فَزَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ مِلْكِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ رَهَنَهُ رَجُلاً، أَوْ غَصَبَهُ إيَّاهُ رَجُلٌ فَزَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ فِي مِلْكِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَكَذَا لَوْ بَاعَ عَبْدًا بِالْخِيَارِ فَأَهَلَّ شَوَّالٌ قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ إنْفَاذَ الْبَيْعِ ثُمَّ أَنْفَذَهُ كَانَتْ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ، وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي وُقِفَتْ زَكَاةُ الْفِطْرِ، فَإِنْ اخْتَارَهُ فَهُوَ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَإِنْ رَدَّهُ فَهُوَ عَلَى الْبَائِعِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ، أَنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَلَى الْبَائِعِ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لاَ يَتِمُّ مِلْكُهُ عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ اخْتِيَارِهِ، أَوْ مُضِيِّ أَيَّامِ الْخِيَارِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا زَوَّجَ الرَّجُلُ أَمَتَهُ الْعَبْدَ فَعَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْهَا زَكَاةَ الْفِطْرِ، وَكَذَلِكَ الْمُكَاتَبُ، فَإِنْ زَوَّجَهَا حُرًّا فَعَلَى الْحُرِّ أَدَاءُ زَكَاةِ الْفِطْرِ عَنْهَا، وَإِنْ كَانَ مُحْتَاجًا فَعَلَى سَيِّدِهَا زَكَاةُ الْفِطْرِ عَنْهَا، لَوْ زَوَّجَهَا حُرًّا فَلَمْ يُدْخِلْهَا عَلَيْهِ، أَوْ مَنَعَهَا مِنْهُ فَزَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى السَّيِّدِ. وَإِذَا وَهَبَ الرَّجُلُ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ عَبْدًا، أَوْ أَمَةً وَلاَ مَالَ لِلصَّغِيرِ فَلاَ يَبِينُ أَنَّ عَلَى أَبِيهِ فِيهِمْ زَكَاةَ الْفِطْرِ وَلَيْسُوا مِمَّنْ مُؤْنَتُهُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ مُرْضِعًا، أَوْ مِمَّنْ لاَ غِنَى لِلصَّغِيرِ عَنْهُ فَتَلْزَمُ أَبَاهُ نَفَقَتُهُمْ وَزَكَاةُ الْفِطْرِ عَنْهُمْ. قال: فَإِنْ حَبَسَهُمْ أَبُوهُ لِخِدْمَةِ نَفْسِهِ، فَقَدْ أَسَاءَ وَلاَ يَبِينُ أَنَّ عَلَيْهِ فِيهِمْ صَدَقَةَ الْفِطْرِ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِمَّنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ بِكُلِّ حَالٍ إنَّمَا تَلْزَمُهُ بِالْحَبْسِ لَهُمْ، وَإِنْ اسْتَأْجَرَ لِابْنِهِ مُرْضِعًا فَلَيْسَ عَلَيْهِ فِيهَا زَكَاةُ الْفِطْرِ وَلاَ يَكُونُ لِمَنْ لَيْسَ بِوَلِيٍّ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ مَالِهِ زَكَاةَ الْفِطْرِ، وَإِنْ أَخْرَجَهَا، أَوْ زَكَاةً غَيْرَهَا بِغَيْرِ أَمْرِ حَاكِمٍ ضَمِنَ وَيُرْفَعُ ذَلِكَ إلَى الْحَاكِمِ حَتَّى يَأْمُرَ مَنْ يُخْرِجُهَا عَنْهُ إنْ كَانَتْ الْحِنْطَةُ، أَوْ الذُّرَةُ، أَوْ الْعَلْسُ، أَوْ الشَّعِيرُ، أَوْ التَّمْرُ، أَوْ الزَّبِيبُ وَمَا أَدَّى مِنْ هَذَا أَدَّى صَاعًا بِصَاعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ لَهُ عِنْدِي أَنْ يُنْقِصَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، وَلاَ تُقَوَّمُ الزَّكَاةُ، لَوْ قُوِّمَتْ كَانَ لَوْ أَدَّى صَاعَ زَبِيبِ ضُرُوعٍ أَدَّى ثَمَانَ آصُعَ حِنْطَةً. وَإِذَا وَهَبَ الرَّجُلُ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ عَبْدًا، أَوْ أَمَةً وَلاَ مَالَ لِلصَّغِيرِ فَلاَ يَبِينُ أَنَّ عَلَى أَبِيهِ فِيهِمْ زَكَاةَ الْفِطْرِ وَلَيْسُوا مِمَّنْ مُؤْنَتُهُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ مُرْضِعًا، أَوْ مِمَّنْ لاَ غِنَى لِلصَّغِيرِ عَنْهُ فَتَلْزَمُ أَبَاهُ نَفَقَتُهُمْ وَزَكَاةُ الْفِطْرِ عَنْهُمْ. قال: فَإِنْ حَبَسَهُمْ أَبُوهُ لِخِدْمَةِ نَفْسِهِ، فَقَدْ أَسَاءَ وَلاَ يَبِينُ أَنَّ عَلَيْهِ فِيهِمْ صَدَقَةَ الْفِطْرِ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِمَّنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ بِكُلِّ حَالٍ إنَّمَا تَلْزَمُهُ بِالْحَبْسِ لَهُمْ، وَإِنْ اسْتَأْجَرَ لِابْنِهِ مُرْضِعًا فَلَيْسَ عَلَيْهِ فِيهَا زَكَاةُ الْفِطْرِ وَلاَ يَكُونُ لِمَنْ لَيْسَ بِوَلِيٍّ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ مَالِهِ زَكَاةَ الْفِطْرِ، وَإِنْ أَخْرَجَهَا، أَوْ زَكَاةً غَيْرَهَا بِغَيْرِ أَمْرِ حَاكِمٍ ضَمِنَ وَيُرْفَعُ ذَلِكَ إلَى الْحَاكِمِ حَتَّى يَأْمُرَ مَنْ يُخْرِجُهَا عَنْهُ إنْ كَانَتْ الْحِنْطَةُ، أَوْ الذُّرَةُ، أَوْ الْعَلْسُ، أَوْ الشَّعِيرُ، أَوْ التَّمْرُ، أَوْ الزَّبِيبُ وَمَا أَدَّى مِنْ هَذَا أَدَّى صَاعًا بِصَاعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ لَهُ عِنْدِي أَنْ يُنْقِصَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، وَلاَ تُقَوَّمُ الزَّكَاةُ، لَوْ قُوِّمَتْ كَانَ لَوْ أَدَّى صَاعَ زَبِيبِ ضُرُوعٍ أَدَّى ثَمَانَ آصُعَ حِنْطَةً. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلاَ أَعْلَمُ مَنْ يَقْتَاتُ الْقُطْنِيَّةَ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ تُقْتَاتُ فَلاَ تُجْزِي زَكَاةً، وَإِنْ كَانَ قَوْمٌ يَقْتَاتُونَهَا أَجْزَأَتْ عَنْهُمْ زَكَاةً؛ لِأَنَّ فِي أَصْلِهَا الزَّكَاةَ. قَالَ: وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُخْرِجَ الرَّجُلُ نِصْفَ صَاعِ حِنْطَةٍ وَنِصْفَ صَاعِ شَعِيرٍ، وَإِنْ كَانَ قُوتُهُ الشَّعِيرَ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُخْرِجَ زَكَاةً وَاحِدَةً إلَّا مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ وَيَجُوزُ إذَا كَانَ قُوتُهُ الشَّعِيرَ أَنْ يُخْرِجَ عَنْ وَاحِدٍ وَأَكْثَرَ شَعِيرًا وَعَنْ وَاحِدٍ وَأَكْثَرَ حِنْطَةً؛ لِأَنَّهَا أَفْضَلُ كَمَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ فِي الصَّدَقَةِ السِّنَّ الَّتِي هِيَ أَعْلَى وَلاَ يُقَالُ جَاءَ بِعِدْلٍ مِنْ شَعِيرٍ إنَّمَا يُقَالُ لِهَذَا جُعِلَ لَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ شَعِيرًا إذَا كَانَ قُوتَهُ لاَ بِأَنَّ الزَّكَاةَ فِي شَعِيرٍ دُونَ حِنْطَةٍ، وَإِنْ كَانَ قُوتُهُ حِنْطَةً فَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ شَعِيرًا لَمْ يَكُنْ لَهُ؛ لِأَنَّهُ أَدْنَى مِمَّا يَقْتَاتُ كَمَا لاَ يَكُونُ لَهُ أَنْ يُخْرِجَ تَمْرًا رَدِيئًا وَتَمْرًا طَيِّبًا وَلاَ سِنًّا دُونَ سِنٍّ وَجَبَتْ عَلَيْهِ وَلَهُ أَنْ يُخْرِجَ نِصْفَ صَاعِ تَمْرٍ رَدِيءٍ إنْ كَانَ قُوتَهُ، وَإِنْ تَكَلَّفَ نِصْفَ صَاعٍ جَيِّدٍ فَأَخْرَجَهُ مَعَهُ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ هَذَا صِنْفٌ وَاحِدٌ وَالْحِنْطَةُ وَالشَّعِيرُ صِنْفَانِ، فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَضُمَّ صِنْفًا إلَى غَيْرِهِ فِي الزَّكَاةِ، وَإِذَا كَانَتْ لَهُ حِنْطَةٌ أَخْرَجَ مِنْ أَيُّهَا شَاءَ زَكَاةَ الْفِطْرِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا كَانَ لَهُ تَمْرٌ أَخْرَجَ مِنْ وَسَطِهِ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، فَإِنْ أَخْرَجَ مِنْ أَعْلاَهُ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ، وَلاَ يَكُونُ لَهُ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ تَمْرٍ وَلاَ حِنْطَةٍ وَلاَ غَيْرِهَا إذَا كَانَ مُسَوِّسًا، أَوْ مَعِيبًا، لاَ يُخْرِجُهُ إلَّا سَالِمًا. وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهُ قَدِيمًا سَالِمًا مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ، أَوْ لَوْنُهُ فَيَكُونَ ذَلِكَ عَيْبًا فِيهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ: كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ. وَأَخْبَرَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ دَاوُد بْنِ قَيْسٍ أَنَّهُ سَمِعَ عِيَاضَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ يَقُولُ: إنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ قَالَ: كُنَّا نُخْرِجُ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ فَلَمْ نَزَلْ نُخْرِجُهُ كَذَلِكَ حَتَّى قَدِمَ مُعَاوِيَةُ حَاجًّا، أَوْ مُعْتَمِرًا فَخَطَبَ النَّاسَ فَكَانَ فِيمَا كَلَّمَ النَّاسَ بِهِ أَنْ قَالَ: إنِّي أَرَى الْمُدَّيْنِ مِنْ سَمْرَاءِ الشَّامِ تَعْدِلُ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ فَأَخَذَ النَّاسُ بِذَلِكَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فِيمَا يُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَأْخُذُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَيُؤَدِّي الرَّجُلُ مِنْ أَيِّ قُوتٍ كَانَ الْأَغْلَبَ عَلَيْهِ مِنْ الْحِنْطَةِ، أَوْ الذُّرَةِ، أَوْ الْعَلْسِ، أَوْ الشَّعِيرِ، أَوْ التَّمْرِ، أَوْ الزَّبِيبِ وَمَا أَدَّى مِنْ هَذَا أَدَّى صَاعًا بِصَاعِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ يُؤَدِّي مَا يُخْرِجُهُ مِنْ الْحَبِّ لاَ يُؤَدِّي إلَّا الْحَبَّ نَفْسَهُ لاَ يُؤَدِّي سَوِيقًا وَلاَ دَقِيقًا وَلاَ يُؤَدِّي قِيمَتَهُ وَلاَ يُؤَدِّي أَهْلُ الْبَادِيَةِ مِنْ شَيْءٍ يَقْتَاتُونَهُ مِنْ الْفَثِّ وَالْحَنْظَلِ وَغَيْرِهِ، أَوْ ثَمَرِهِ لاَ تَجُوزُ فِي الزَّكَاةِ وَيُكَلَّفُونَ أَنْ يُؤَدُّوا مِنْ قُوتِ أَقْرَبِ الْبِلاَدِ إلَيْهِمْ مِمَّنْ يَقْتَاتُ الْحِنْطَةَ وَالذُّرَةَ وَالْعَلْسَ وَالشَّعِيرَ وَالتَّمْرَ وَالزَّبِيبَ لاَ غَيْرَهُ، وَإِنْ أَدَّوْا أَقِطًا أَجْزَأَ عَنْهُمْ وَمَا أَدَّوْا، أَوْ غَيْرُهُمْ مِنْ شَيْءٍ لَيْسَ فِي أَصْلِهِ الزَّكَاةُ غَيْرَ الْأَقِطِ أَعَادُوا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلاَ أَعْلَمُ أَحَدًا يَقْتَاتُ الْقُطْنِيَّةَ، فَإِنْ كَانَ أَحَدٌ يَقْتَاتُهَا أَجْزَأَتْ عَنْهُ؛ لِأَنَّ فِي أَصْلِهَا الزَّكَاةَ، وَإِنْ لَمْ يَقْتَتْهَا لَمْ تُجْزِ عَنْهُ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُخْرِجَ رَجُلٌ نِصْفَ صَاعِ حِنْطَةٍ وَنِصْفَهَا شَعِيرًا، وَإِنْ كَانَ قُوتُهُ الشَّعِيرَ، لاَ يَجُوزُ أَنْ يُخْرِجَ زَكَاةً إلَّا مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ وَيَجُوزُ أَنْ يُخْرِجَ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ بَعْضِ مَنْ يُمَوِّنُ حِنْطَةً وَيُخْرِجُ عَنْ بَعْضِ مَنْ يُمَوِّنُ شَعِيرًا كَمَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ فِي الصَّدَقَةِ السِّنَّ الْأَعْلَى، وَإِنْ كَانَ قُوتُهُ حِنْطَةً فَأَرَادَ أَنْ يُؤَدِّيَ شَعِيرًا لَمْ يَكُنْ لَهُ؛ لِأَنَّهُ أَدْنَى مِمَّا يَقُوتُ وَلاَ يَكُونُ لَهُ أَنْ يُخْرِجَ تَمْرًا طَيِّبًا وَتَمْرًا رَدِيئًا وَلاَ شَيْئًا دُونَ شَيْءٍ وَجَبَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَخْرَجَ تَمْرًا رَدِيئًا، هُوَ قُوتُهُ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ كَانَ لَهُ تَمْرٌ أَخْرَجَ مِنْ وَسَطِهِ الزَّكَاةَ، فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ تَمْرٍ، أَوْ حِنْطَةٍ وَلاَ غَيْرِهِمَا إذَا كَانَ مُسَوِّسًا وَلاَ مَعِيبًا، لاَ يُخْرِجُهُ إلَّا سَالِمًا.
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ: وَمَنْ أَخْرَجَ زَكَاةَ الْفِطْرِ عِنْدَ مَحِلِّهَا، أَوْ قَبْلَهُ، أَوْ بَعْدَهُ لِيَقْسِمَهَا فَضَاعَتْ مِنْهُ وَكَانَ مِمَّنْ يَجِدُ زَكَاةَ الْفِطْرِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُخْرِجَهَا حَتَّى يَقْسِمَهَا، أَوْ يَدْفَعَهَا إلَى الْوَالِي، وَكَذَلِكَ كُلُّ حَقٍّ وَجَبَ عَلَيْهِ فَلاَ يُبْرِئُهُ مِنْهُ إلَّا أَدَاؤُهُ مَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْأَدَاءِ الَّذِينَ يَجِبُ عَلَيْهِمْ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَتُقْسَمُ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى مَنْ تُقْسَمُ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْمَالِ لاَ يُجْزِئُ فِيهَا غَيْرُ ذَلِكَ، فَإِنْ تَوَلَّاهَا رَجُلٌ قَسَمَهَا عَلَى سِتَّةِ أَسْهُمٍ؛ لِأَنَّ سَهْمَ الْعَامِلِينَ وَسَهْمَ الْمُؤَلَّفَةِ سَاقِطَانِ. قال: وَيَسْقُطُ سَهْمُ الْعَامِلِينَ؛ لِأَنَّهُ تَوَلَّاهَا بِنَفْسِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ عَلَيْهَا أَجْرًا وَيَقْسِمُهَا عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَفِي الرِّقَابِ وَهُمْ الْمُكَاتَبُونَ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَأَيُّ صِنْفٍ مِنْ هَؤُلاَءِ لَمْ يَجِدْهُ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ حَقِّهِ مِنْهَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَيُعْطِي الرَّجُلُ زَكَاةَ مَالِهِ ذَوِي رَحِمِهِ إذَا كَانُوا مِنْ أَهْلِهَا، وَأَقْرَبُهُمْ بِهِ أَحَبُّهُمْ إلَيَّ أَنْ يُعْطِيَهُ إيَّاهَا إذَا كَانَ مِمَّنْ لاَ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ بِكُلِّ حَالٍ، لَوْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ مُتَطَوِّعًا أَعْطَاهُ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ مُتَطَوِّعٌ بِنَفَقَتِهِ لاَ أَنَّهَا لاَزِمَةٌ لَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأَخْتَارُ قَسْمَ زَكَاةِ الْفِطْرِ بِنَفْسِي عَلَى طَرْحِهَا عِنْدَ مَنْ تُجْمَعُ عِنْدَهُ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُؤَمَّلِ قَالَ سَمِعْت ابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ وَرَجُلٌ يَقُولُ لَهُ: إنَّ عَطَاءً أَمَرَنِي أَنْ أَطْرَحَ زَكَاةَ الْفِطْرِ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: أَفْتَاك الْعِلْجُ بِغَيْرِ رَأْيِهِ؟ اقْسِمْهَا، فَإِنَّمَا يُعْطِيهَا ابْنُ هِشَامٍ أَحْرَاسَهُ وَمَنْ شَاءَ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ اللَّيْثِيِّ أَنَّهُ سَأَلَ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الزَّكَاةِ فَقَالَ: أَعْطِهَا أَنْتَ فَقُلْت: أَلَمْ يَكُنْ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ ادْفَعْهَا إلَى السُّلْطَانِ؟ قَالَ: بَلَى. وَلَكِنِّي لاَ أَرَى أَنْ تَدْفَعَهَا إلَى السُّلْطَانِ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَبْعَثُ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ الَّتِي تُجْمَعُ عِنْدَهُ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمَيْنِ، أَوْ ثَلاَثَةٍ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَمَنْ أَخْرَجَ زَكَاةَ الْفِطْرِ عِنْدَ مَحِلِّهَا، أَوْ قَبْلَهُ، أَوْ بَعْدَهُ لِيَقْسِمَهَا فَضَاعَتْ مِنْهُ وَكَانَ مِمَّنْ يَجِدُ فَعَلَيْهِ أَنْ يُخْرِجَهَا حَتَّى يَقْسِمَهَا، أَوْ يَدْفَعَهَا إلَى الْوَالِي كَذَلِكَ كُلُّ حَقٍّ وَجَبَ عَلَيْهِ فَلاَ يَبْرَأُ مِنْهُ إلَّا بِأَدَائِهِ، وَتُقْسَمُ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى مَنْ تُقْسَمُ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْمَالِ لاَ يُجْزِئُ فِيهَا غَيْرُ ذَلِكَ، وَإِذَا تَوَلَّاهَا الرَّجُلُ، فَقَسَمَهَا قَسَمَهَا عَلَى سِتَّةِ أَسْهُمٍ؛ لِأَنَّ سَهْمَ الْعَامِلِينَ وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ سَاقِطَانِ وَيَقْسِمُهَا عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَفِي الرِّقَابِ وَهُمْ الْمُكَاتَبُونَ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ، فَأَيُّ صِنْفٍ مِنْ هَؤُلاَءِ لَمْ يُعْطِهِ، هُوَ يَجِدُهُ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ حَقِّهِ مِنْهَا وَلِلرَّجُلِ إذَا أَخْرَجَ زَكَاةَ الْفِطْرِ أَنْ يُعْطِيَهَا ذَوِي رَحِمِهِ إذَا كَانُوا مِنْ أَهْلِهَا وَأَقْرَبُهُمْ بِهِ أَحَقُّهُمْ أَنْ يُعْطِيَهُ إذَا كَانُوا مِمَّنْ لاَ تَلْزَمُهُمْ نَفَقَتُهُمْ. وَقَسْمُ الرَّجُلِ زَكَاةَ الْفِطْرِ حَسَنٌ وَطَرْحُهَا عِنْدَ مَنْ تُجْمَعُ عِنْدَهُ يُجْزِئُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ. كَانَ ابْنُ عُمَرَ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ يَدْفَعَانِهَا إلَى الَّذِي تُجْمَعُ عِنْدَهُ. قَالَ الرَّبِيعُ: سُئِلَ الشَّافِعِيُّ عَنْ زَكَاةِ الْفِطْرِ فَقَالَ: تَلِيهَا أَنْتَ بِيَدَيْك أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ تَطْرَحَهَا مِنْ قِبَلِ أَنَّك عَلَى يَقِينٍ إذَا أَعْطَيْتهَا بِنَفْسِك، وَأَنْتَ إذَا طَرَحْتهَا لَمْ تَتَيَقَّنْ أَنَّهَا وُضِعَتْ فِي حَقِّهَا.
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: وَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ يَقْتَاتُ حُبُوبًا مُخْتَلِفَةً شَعِيرًا وَحِنْطَةً وَتَمْرًا وَزَبِيبًا فَالِاخْتِيَارُ لَهُ أَنْ يُخْرِجَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ الْحِنْطَةِ وَمِنْ أَيُّهَا أَخْرَجَ أَجْزَأَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قال: فَإِنْ كَانَ يَقْتَاتُ حِنْطَةً فَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ زَبِيبًا، أَوْ تَمْرًا، أَوْ شَعِيرًا كَرِهْت لَهُ ذَلِكَ وَأَحْبَبْت لَوْ أَخْرَجَهُ أَنْ يُعِيدَ فَيُخْرِجَهُ حِنْطَةً؛ لِأَنَّ الْأَغْلَبَ مِنْ الْقُوتِ كَانَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ التَّمْرَ وَكَانَ مَنْ يَقْتَاتُ الشَّعِيرَ قَلِيلاً، وَلَعَلَّهُ لَمْ يَكُنْ بِهَا أَحَدٌ يَقْتَاتُ حِنْطَةً وَلَعَلَّ الْحِنْطَةَ كَانَتْ بِهَا شَبِيهًا بِالطُّرْفَةِ فَفَرَضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ عَلَيْهِمْ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ قُوتِهِمْ، وَلاَ أُحِبُّ إذَا اقْتَاتَ رَجُلٌ حِنْطَةً أَنْ يُخْرِجَ غَيْرَهَا وَأُحِبُّ لَوْ اقْتَاتَ شَعِيرًا أَنْ يُخْرِجَ حِنْطَةً؛ لِأَنَّهَا أَفْضَلُ. أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ كَانَ لاَ يُخْرِجُ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ إلَّا التَّمْرَ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً، فَإِنَّهُ أَخْرَجَ شَعِيرًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأَحْسَبُ نَافِعًا كَانَ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، هُوَ يَقْتَاتُ الْحِنْطَةَ وَأَحَبُّ إلَيَّ مَا وَصَفْت مِنْ إخْرَاجِ الْحِنْطَةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ اقْتَاتَ قَوْمٌ ذُرَةً، أَوْ دُخْنًا، أَوْ سُلْتًا، أَوْ أُرْزًا، أَوْ أَيَّ حَبَّةٍ مَا كَانَتْ مِمَّا فِيهِ الزَّكَاةُ فَلَهُمْ إخْرَاجُ الزَّكَاةِ مِنْهَا؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ الطَّعَامِ وَسَمَّى شَعِيرًا وَتَمْرًا، فَقَدْ عَقَلْنَا عَنْهُ أَنَّهُ أَرَادَ مِنْ الْقُوتِ فَكَانَ مَا سَمَّى مِنْ الْقُوتِ مَا فِيهِ الزَّكَاةُ، فَإِذَا اقْتَاتُوا طَعَامًا فِيهِ الزَّكَاةُ فَأَخْرَجُوا مِنْهُ أَجْزَأَ عَنْهُمْ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَحَبُّ إلَيَّ فِي هَذَا أَنْ يُخْرِجُوا حِنْطَةً إلَّا أَنْ يَقْتَاتُوا تَمْرًا، أَوْ شَعِيرًا فَيُخْرِجُوا أَيَّهُمَا اقْتَاتُوا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: إذَا كَانَ الرَّجُلُ يَقْتَاتُ حُبُوبًا شَعِيرًا وَحِنْطَةً وَزَبِيبًا وَتَمْرًا فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُؤَدِّيَ مِنْ الْحِنْطَةِ وَمِنْ أَيُّهَا أَخْرَجَ أَجْزَأَهُ، فَإِنْ كَانَ يَقْتَاتُ حِنْطَةً فَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ زَبِيبًا، أَوْ تَمْرًا، أَوْ شَعِيرًا كَرِهْته وَأَحْبَبْت أَنْ يُعِيدَ، وَإِنْ اقْتَاتَ قَوْمٌ ذُرَةً، أَوْ دُخْنًا، أَوْ أُرْزًا، أَوْ سُلْتًا، أَوْ أَيَّ حَبَّةٍ مَا كَانَتْ مِمَّا فِيهِ الزَّكَاةُ فَلَهُمْ إخْرَاجُ الزَّكَاةِ مِنْهَا، وَكَذَلِكَ إنْ اقْتَاتُوا الْقُطْنِيَّةَ.
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: وَمَنْ أَهَلَّ عَلَيْهِ شَوَّالٌ، هُوَ مُعْسِرٌ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ ثُمَّ أَيْسَرَ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ، أَوْ بَعْدَهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُؤَدِّيَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مَتَى أَيْسَرَ فِي شَهْرِهَا، أَوْ غَيْرِهِ. قال: وَإِنَّمَا قُلْت وَقْتُ زَكَاةِ الْفِطْرِ هِلاَلُ شَوَّالٍ؛ لِأَنَّهُ خُرُوجُ الصَّوْمِ وَدُخُولُ أَوَّلِ شُهُورِ الْفِطْرِ كَمَا لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ حَقٌّ فِي انْسِلاَخِ شَهْرِ رَمَضَانَ حَلَّ إذَا رَأَى هِلاَلَ شَوَّالٍ لاَ إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ مِنْ لَيْلَةِ هِلاَلِ شَوَّالٍ، لَوْ جَازَ هَذَا فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ شَوَّالٍ بَعْدَ يَوْمٍ وَعُشْرٍ وَأَكْثَرَ مَا لَمْ يَنْسَلِخْ شَوَّالٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَلاَ بَأْسَ أَنْ يُؤَدِّيَ زَكَاةَ الْفِطْرِ وَيَأْخُذَهَا إذَا كَانَ مُحْتَاجًا وَغَيْرَهَا مِنْ الصَّدَقَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ وَغَيْرِهَا، وَكُلُّ مُسْلِمٍ فِي الزَّكَاةِ سَوَاءٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَيْسَ عَلَى مَنْ لاَ عَرَضَ لَهُ وَلاَ نَقْدَ وَلاَ يَجِدُ قُوتَ يَوْمِهِ أَنْ يَسْتَسْلِفَ زَكَاةً.
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: فَرَضَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ الزَّكَاةَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ قَدْ كَتَبْنَاهُ فِي آخِرِ الزَّكَاةِ فَقَالَ فِي غَيْرِ آيَةٍ مِنْ كِتَابِهِ: {أَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} يَعْنِي أَعْطُوا الزَّكَاةَ وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} الآيَةَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَفَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى مَنْ لَهُ مَالٌ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ أَنْ يُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ إلَى مَنْ جُعِلَتْ لَهُ وَفَرَضَ عَلَى مَنْ وَلِيَ الْأَمْرَ أَنْ يُؤَدِّيَهَا إلَى الْوَالِي إذَا لَمْ يُؤَدِّهَا وَعَلَى الْوَالِي إذَا أَدَّاهَا أَنْ لاَ يَأْخُذَهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ سَمَّاهَا زَكَاةً وَاحِدَةً لاَ زَكَاتَيْنِ وَفَرْضُ الزَّكَاةِ مِمَّا أَحْكَمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَفَرَضَهُ فِي كِتَابِهِ ثُمَّ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيَّنَ فِي أَيِّ الْمَالِ الزَّكَاةُ وَفِي أَيِّ الْمَالِ تَسْقُطُ وَكَمْ الْوَقْتُ الَّذِي إذَا بَلَغَهُ الْمَالُ حَلَّتْ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَإِذَا لَمْ يَبْلُغْهُ لَمْ تَكُنْ فِيهِ زَكَاةٌ وَمَوَاقِيتَ الزَّكَاةِ وَمَا قَدْرُهَا فَمِنْهَا خُمُسٌ وَمِنْهَا عُشْرٌ وَمِنْهَا نِصْفُ عُشْرٍ وَمِنْهَا رُبُعُ عُشْرٍ وَمِنْهَا بِعَدَدٍ يَخْتَلِفُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَذَا بَيَانُ الْمَوْضِعِ الَّذِي وَضَعَ اللَّهُ بِهِ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْإِبَانَةِ عَنْهُ. قال: وَكُلُّ مَا وَجَبَ عَلَى مُسْلِمٍ فِي مَالِهِ بِلاَ جِنَايَةٍ جَنَاهَا، أَوْ جَنَاهَا مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِ الْعَقْلُ وَلاَ تَطَوُّعٍ تَطَوَّعَ بِهِ وَلاَ شَيْءٍ أَوْجَبَهُ هُوَ فِي مَالِهِ فَهُوَ زَكَاةٌ وَالزَّكَاةُ صَدَقَةٌ كِلاَهُمَا لَهَا اسْمٌ، فَإِذَا وَلِيَ الرَّجُلُ صَدَقَةَ مَالِهِ، أَوْ وَلِيَ ذَلِكَ الْوَالِي فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَقْسِمَهَا حَيْثُ قَسَمَهَا اللَّهُ لَيْسَ لَهُ خِلاَفُ ذَلِكَ وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي مَوَاضِعِهِ وَنَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} فَأَحْكَمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَرْضَ الصَّدَقَاتِ فِي كِتَابِهِ ثُمَّ أَكَّدَهَا فَقَالَ: {فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ}. قال: وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقْسِمَهَا عَلَى غَيْرِ مَا قَسَمَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ مَا كَانَتْ الْأَصْنَافُ مَوْجُودَةً؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُعْطِي مَنْ وَجَدَ {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ} وَكَقَوْلِهِ: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} وَكَقَوْلِهِ: {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ} وَمَعْقُولٌ عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ فَرَضَ هَذَا لِمَنْ كَانَ مَوْجُودًا يَوْمَ يَمُوتُ الْمَيِّتُ وَكَانَ مَعْقُولاً عَنْهُ أَنَّ هَذِهِ السُّهْمَانَ لِمَنْ كَانَ مَوْجُودًا يَوْمَ تُؤْخَذُ الصَّدَقَةُ وَتُقْسَمُ. قال: وَإِذَا أُخِذَتْ الصَّدَقَةُ مِنْ قَوْمٍ قُسِمَتْ عَلَى مَنْ مَعَهُمْ فِي دَرَاهِمِ مِنْ أَهْلِ السُّهْمَانِ وَلَمْ تَخْرُجْ مِنْ جِيرَانِهِمْ إلَى أَحَدٍ حَتَّى لاَ يَبْقَى مِنْهُمْ أَحَدٌ يَسْتَحِقُّهَا. أَخْبَرَنَا مُطَرِّفٌ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنْ قَضَى: أَيُّمَا رَجُلٍ انْتَقَلَ مِنْ مِخْلاَفِ عَشِيرَتِهِ فَعُشْرُهُ وَصَدَقَتُهُ إلَى مِخْلاَفِ عَشِيرَتِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: هُوَ مَا وَصَفْت مِنْ أَنَّهُ جَعَلَ الْعُشْرَ وَالصَّدَقَةَ إلَى جِيرَانِ الْمَالِ وَلَمْ يَجْعَلْهَا عَلَى جِيرَانِ مَالِكِ الْمَالِ إذَا مَا نَأَى عَنْ مَوْضِعِ الْمَالِ، أَخْبَرَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ، أَوْ ثِقَةٌ غَيْرُهُ، أَوْ هُمَا عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيْفِي عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ حِينَ بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ: «فَإِنْ أَجَابُوك فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ الصَّدَقَةَ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ». قال: وَهَذَا مِمَّا وَصَفْت مِنْ أَنَّهُ جَعَلَ الْعُشْرَ وَالصَّدَقَةَ إلَى جِيرَانِ الْمَالِ وَلَمْ يَجْعَلْهَا إلَى جِيرَانِ مَالِكِ الْمَالِ إذَا نَأَى عَنْ مَوْضِعِ الْمَالِ. أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ، هُوَ يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نِمْرٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَاشَدْتُك اللَّهَ آللَّهُ أَمَرَك أَنْ تَأْخُذَ الصَّدَقَةَ مِنْ أَغْنِيَائِنَا وَتَرُدَّهَا عَلَى فُقَرَائِنَا؟ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ نَعَمْ». قال: وَلاَ تُنْقَلُ الصَّدَقَةُ مِنْ مَوْضِعٍ حَتَّى لاَ يَبْقَى فِيهِ أَحَدٌ يَسْتَحِقُّ مِنْهَا شَيْئًا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: الْفَقِيرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَنْ لاَ مَالَ لَهُ وَلاَ حِرْفَةَ تَقَعُ مِنْهُ مَوْقِعًا زَمِنًا كَانَ أَوْ غَيْرَ زَمِنٍ سَائِلاً كَانَ أَوْ مُتَعَفِّفًا وَالْمِسْكِينُ مَنْ لَهُ مَالٌ أَوْ حِرْفَةٌ لاَ تَقَعُ مِنْهُ مَوْقِعًا وَلاَ تُغْنِيهِ سَائِلاً كَانَ أَوْ غَيْرَ سَائِلٍ قَالَ وَإِذَا كَانَ فَقِيرًا أَوْ مِسْكِينًا فَأَغْنَاهُ وَعِيَالَهُ كَسْبُهُ أَوْ حِرْفَتُهُ فَلاَ يُعْطَى فِي وَاحِدٍ مِنْ الْوَجْهَيْنِ شَيْئًا لِأَنَّهُ غَنِيٌّ بِوَجْهٍ وَالْعَامِلُونَ عَلَيْهَا الْمُتَوَلُّونَ لِقَبْضِهَا مِنْ أَهْلِهَا مِنْ السُّعَاةِ وَمَنْ أَعَانَهُمْ مِنْ عَرِيفٍ لاَ يُقْدَرُ عَلَى أَخْذِهَا إلَّا بِمَعْرِفَتِهِ فَأَمَّا الْخَلِيفَةُ وَوَالِي الْإِقْلِيمِ الْعَظِيمِ الَّذِي تَوَلَّى أَخْذَهَا عَامِلٌ دُونَهُ فَلَيْسَ لَهُ فِيهَا حَقٌّ وَكَذَلِكَ مَنْ أَعَانَ وَالِيًا عَلَى قَبْضِهَا مِمَّنْ بِهِ الْغِنَى عَنْ مَعُونَتِهِ فَلَيْسَ لَهُ فِي سَهْمِ الْعَامِلِينَ حَقٌّ وَسَوَاءٌ كَانَ الْعَامِلُونَ عَلَيْهَا أَغْنِيَاءَ أَوْ فُقَرَاءَ مِنْ أَهْلِهَا كَانُوا أَوْ غُرَبَاءَ إذَا وُلُّوهَا فَهُمْ الْعَامِلُونَ وَيُعْطَى أَعْوَانُ إدَارَةِ وَالِي الصَّدَقَةِ بِقَدْرِ مَعُونَاتِهِمْ عَلَيْهَا وَمَنْفَعَتِهِمْ فِيهَا وَالْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ مَنْ دَخَلَ فِي الْإِسْلاَمِ وَلاَ يُعْطَى مِنْ الصَّدَقَةِ مُشْرِكٌ يَتَأَلَّفُ عَلَى الْإِسْلاَمِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ أَعْطَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ حُنَيْنٍ بَعْضَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ الْعَطَايَا مِنْ الْفَيْءِ وَمِنْ مَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً لاَ مِنْ مَالِ الصَّدَقَةِ وَمُبَاحٌ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ مِنْ مَالِهِ وَقَدْ خَوَّلَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُسْلِمِينَ أَمْوَالَ الْمُشْرِكِينَ لاَ الْمُشْرِكِينَ أَمْوَالَهُمْ وَجَعَلَ صَدَقَاتِ الْمُسْلِمِينَ مَرْدُودَةً فِيهِمْ كَمَا سَمَّى لاَ عَلَى مَنْ خَالَفَ دِينَهُمْ قَالَ وَالرِّقَابُ الْمُكَاتَبُونَ مِنْ جِيرَانِ الصَّدَقَةِ فَإِنْ اتَّسَعَ لَهُمْ السَّهْمُ أُعْطُوا حَتَّى يُعْتَقُوا وَإِنْ دَفَعَ ذَلِكَ الْوَالِي إلَى مَنْ يُعْتِقُهُمْ فَحَسَنٌ وَإِنْ دَفَعَ إلَيْهِمْ أَجْزَأَهُ وَإِنْ ضَاقَتْ السُّهْمَانُ دَفَعَ ذَلِكَ إلَى الْمُكَاتَبِينَ فَاسْتَعَانُوا بِهَا فِي كِتَابَتِهِمْ وَالْغَارِمُونَ صِنْفَانِ صِنْفٌ ادَّانُوا فِي مَصْلَحَتِهِمْ أَوْ مَعْرُوفٍ وَغَيْرِ مَعْصِيَةٍ ثُمَّ عَجَزُوا عَنْ أَدَاءِ ذَلِكَ فِي الْعَرَضِ وَالنَّقْدِ فَيُعْطَوْنَ فِي غُرْمِهِمْ لِعَجْزِهِمْ فَإِنْ كَانَ لَهُمْ عُرُوضٌ أَوْ نَقْدٌ يَقْضُونَ مِنْهُ دُيُونَهُمْ فَهُمْ أَغْنِيَاءُ لاَ يُعْطِيهِمْ مِنْهَا شَيْئًا وَيَقْضُونَ مِنْ عُرُوضِهِمْ أَوْ مِنْ نَقْدِهِمْ دُيُونَهُمْ وَإِنْ قَضَوْهَا فَكَانَ قَسْمُ الصَّدَقَةِ وَلَهُمْ مَا يَكُونُونَ بِهِ أَغْنِيَاءَ لَمْ يُعْطَوْا شَيْئًا وَإِنْ كَانَ وَهُمْ فُقَرَاءُ أَوْ مَسَاكِينُ فَسَأَلُوا بِأَيِّ الْأَصْنَافِ كَانُوا أُعْطُوا لِأَنَّهُمْ مِنْ ذَلِكَ الصِّنْفِ وَلَمْ يُعْطَوْا مِنْ صَدَقَةِ غَيْرِهِ قَالَ وَإِذَا بَقِيَ فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ مَا يَكُونُونَ بِهِ أَغْنِيَاءَ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِمْ فِيهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِهِ لَمْ يُعْطَوْا مِنْ السُّهْمَانِ شَيْئًا لِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْغِنَى وَأَنَّهُمْ قَدْ يَبْرَءُونَ مِنْ الدَّيْنِ فَلاَ يُعْطَوْا حَتَّى لاَ يَبْقَى لَهُمْ مَا يَكُونُونَ بِهِ أَغْنِيَاءَ قَالَ وَصِنْفٌ ادَّانُوا فِي حَمَالاَتٍ وَإِصْلاَحِ ذَاتِ بَيْنٍ وَمَعْرُوفٍ وَلَهُمْ عُرُوضٌ تَحْمِلُ حَمَّالاَتهمْ أَوْ عَامَّتَهَا إنْ بِيعَتْ أَضَرَّ ذَلِكَ بِهِمْ وَإِنْ لَمْ يَفْتَقِرُوا فَيُعْطَى هَؤُلاَءِ مَا يُوَفِّرُ عُرُوضَهُمْ كَمَا يُعْطَى أَهْلُ الْحَاجَةِ مِنْ الْغَارِمِينَ حَتَّى يَقْضُوا غُرْمَهُمْ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ هَارُونَ بْنِ رِئَابٍ عَنْ كِنَانَةَ بْنِ نُعَيْمٍ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ مُخَارِقٍ الْهِلاَلِيِّ قَالَ تَحَمَّلْت بِحَمَالَةٍ فَأَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلْته فَقَالَ نُؤَدِّيهَا أَوْ نُخْرِجُهَا عَنْك غَدًا إذَا قَدِمَ نَعَمُ الصَّدَقَةِ يَا قَبِيصَةُ الْمَسْأَلَةُ حُرِّمَتْ إلَّا فِي ثَلاَثٍ رَجُلٍ تَحَمَّلَ حَمَالَةً فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُؤَدِّيَهَا ثُمَّ يُمْسِكَ وَرَجُلٍ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ أَوْ حَاجَةٌ حَتَّى شَهِدَ لَهُ أَوْ تَكَلَّمَ ثَلاَثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ أَنَّ بِهِ حَاجَةً أَوْ فَاقَةً فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ سَدَادًا مِنْ عَيْشٍ أَوْ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ ثُمَّ يُمْسِكَ وَرَجُلٍ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ فَاجْتَاحَتْ مَالَهُ حَتَّى يُصِيبَ سَدَادًا مِنْ عَيْشٍ أَوْ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ ثُمَّ يُمْسِكَ وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْمَسْأَلَةِ فَهُوَ سُحْتٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ وَبِهَذَا نَأْخُذُ هُوَ مَعْنَى مَا قُلْت فِي الْغَارِمِينَ وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَحِلُّ الْمَسْأَلَةُ فِي الْفَاقَةِ وَالْحَاجَةِ» يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ لاَ الْغَارِمِينَ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حَتَّى يُصِيبَ سَدَادًا مِنْ عَيْشٍ» يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَقَلَّ مِنْ اسْمِ الْغِنَى وَبِذَلِكَ نَقُولُ وَذَلِكَ حِينَ يَخْرُجُ مِنْ الْفَقْرِ أَوْ الْمَسْكَنَةِ وَيُعْطَى مِنْ سَهْمِ سَبِيلِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ مَنْ غَزَا مِنْ جِيرَانِ الصَّدَقَةِ فَقِيرًا كَانَ أَوْ غَنِيًّا وَلاَ يُعْطَى مِنْهُمْ غَيْرُهُمْ إلَّا أَنْ يَحْتَاجَ إلَى الدَّفْعِ عَنْهُمْ فَيُعْطَاهُ مَنْ دَفَعَ عَنْهُمْ الْمُشْرِكِينَ وَابْنُ السَّبِيلِ مِنْ جِيرَانِ الصَّدَقَةِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ السَّفَرَ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ فَيَعْجَزُونَ عَنْ بُلُوغِ سَفَرِهِمْ إلَّا بِمَعُونَةٍ عَلَى سَفَرِهِمْ وَأَمَّا ابْنُ السَّبِيلِ يَقْدِرُ عَلَى بُلُوغِ سَفَرِهِ بِلاَ مَعُونَةٍ فَلاَ يُعْطَى لِأَنَّهُ مِمَّنْ دَخَلَ فِي جُمْلَةِ مَنْ لاَ تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ وَلَيْسَ مِمَّنْ اُسْتُثْنِيَ أَنَّهَا تَحِلُّ لَهُ وَمُخَالِفٌ لِلْغَازِي فِي دَفْعِ الْغَازِي بِالصَّدَقَةِ عَنْ جَمَاعَةِ أَهْلِ الْإِسْلاَمِ وَمُخَالِفٌ لِلْغَارِمِ الَّذِي ادَّانَ فِي مَنْفَعَةِ أَهْلِ الْإِسْلاَمِ وَإِصْلاَحِ ذَاتِ الْبَيْنِ وَالْعَامِلُ الْغَنِيُّ بِصَلاَحِ أَهْلِ الصَّدَقَةِ هُوَ مُخَالِفٌ لِلْغَنِيِّ يُهْدِي لَهُ الْمُسْلِمُونَ لِأَنَّ الْهَدِيَّةَ تَطَوُّعٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لاَ أَنَّ الْغَنِيَّ أَخَذَهَا بِسَبَبِ الصَّدَقَةِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّدَقَةَ وَالْعَطَايَا غَيْرَ الْمَفْرُوضَةِ تَحِلُّ لِمَنْ لاَ تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ أَهْلُ الْخُمُسِ وَمِنْ الْأَغْنِيَاءِ مِنْ النَّاسِ وَغَيْرِهِمْ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: الْأَغْلَبُ مِنْ أُمُورِ النَّاسِ أَنَّهُمْ غَيْرُ أَغْنِيَاءَ حَتَّى يُعْرَفَ غِنَاهُمْ وَمَنْ طَلَبَ مِنْ جِيرَانِ الصَّدَقَةِ بِاسْمِ فَقْرٍ، أَوْ مَسْكَنَةٍ أُعْطِيَ مَا لَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ غَيْرُهُ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ قَالَ حَدَّثَنِي رَجُلاَنِ أَنَّهُمَا أَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلاَنِهِ مِنْ الصَّدَقَةِ فَصَعَّدَ فِيهِمَا النَّظَرَ وَصَوَّبَ ثُمَّ قَالَ: «إنْ شِئْتُمَا وَلاَ حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ وَلاَ لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ». قَالَ الشَّافِعِيُّ: رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَدًا ظَاهِرًا يُشْبِهُ الِاكْتِسَابَ الَّذِي يُسْتَغْنَى بِهِ وَغَابَ عَنْهُ الْعِلْمُ فِي الْمَالِ وَعَلِمَ أَنْ قَدْ يَكُونُ الْجَلَدُ فَلاَ يُغْنِي صَاحِبَهُ مَكْسَبُهُ بِهِ إمَّا لِكَثْرَةِ عِيَالٍ وَإِمَّا لِضَعْفِ حِرْفَةٍ فَأَعْلَمَهُمَا أَنَّهُمَا إنْ ذَكَرَا أَنَّهُمَا لاَ غِنَى لَهُمَا بِمَالٍ وَلاَ كَسْبٍ أَعْطَاهُمَا، فَإِنْ قِيلَ: أَيْنَ أَعْلَمَهُمَا؟ قِيلَ حَيْثُ قَالَ: لاَ حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ وَلاَ لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ. أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَيْحَانَ بْنِ يَزِيدَ قَالَ سَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَقُولُ: لاَ تَصْلُحُ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ وَلاَ لِذِي مِرَّةٍ. أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لاَ تَحِلُّ الصَّدَقَةُ إلَّا لِغَازٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ لِعَامِلٍ عَلَيْهَا، أَوْ لِغَارِمٍ، أَوْ لِرَجُلٍ اشْتَرَاهَا بِمَالِهِ، أَوْ لِرَجُلٍ لَهُ جَارٌ مِسْكِينٌ فَتَصَدَّقَ عَلَى الْمِسْكِينِ فَأَهْدَى الْمِسْكِينُ لِلْغَنِيِّ». قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَبِهَذَا قُلْنَا يُعْطَى الْغَازِي وَالْعَامِلُ، وَإِنْ كَانَا غَنِيَّيْنِ وَالْغَارِمُ فِي الْحَمَالَةِ عَلَى مَا أَبَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ غَارِمٌ غَيْرُهُ إلَّا غَارِمًا لاَ مَالَ لَهُ يَقْضِي مِنْهُ فَيُعْطَى فِي غُرْمِهِ، وَمَنْ طَلَبَ سَهْمَ ابْنِ السَّبِيلِ وَذَكَرَ أَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ الْبَلَدِ الَّذِي يُرِيدُ إلَّا بِالْمَعُونَةِ أُعْطِيَ عَلَى مِثْلِ مَعْنَى مَا قُلْت مِنْ أَنَّهُ غَيْرُ قَوِيٍّ حَتَّى تُعْلَمَ قُوَّتُهُ بِالْمَالِ وَمَنْ طَلَبَ بِأَنَّهُ يَغْزُو أُعْطِيَ غَنِيًّا كَانَ، أَوْ فَقِيرًا، وَمَنْ طَلَبَ بِأَنَّهُ غَارِمٌ، أَوْ عَبْدٌ بِأَنَّهُ مُكَاتَبٌ لَمْ يُعْطَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ عَلَى مَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّ أَصْلَ أَمْرِ النَّاسِ أَنَّهُمْ غَيْرُ غَارِمِينَ حَتَّى يُعْلَمَ غُرْمُهُمْ وَالْعَبِيدُ أَنَّهُمْ غَيْرُ مُكَاتَبِينَ حَتَّى تُعْلَمَ كِتَابَتُهُمْ، وَمَنْ طَلَبَ بِأَنَّهُ مِنْ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ لَمْ يُعْطَ إلَّا أَنْ يُعْلَمَ ذَلِكَ، وَمَا وَصَفْته يُسْتَحَقُّ بِهِ أَنْ يُعْطَى مِنْ سَهْمِ الْمُؤَلَّفَةِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: إذَا أَعْطَى الْوَالِي الْقَاسِمُ الصَّدَقَةَ مَنْ وَصَفْنَا أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَهُ بِقَوْلِهِ، أَوْ بَيِّنَةٍ تَقُومُ لَهُ ثُمَّ عَلِمَ بَعْدَ إعْطَائِهِمْ أَنَّهُمْ غَيْرُ مُسْتَحِقِّينَ لِمَا أَعْطَاهُمْ نَزَعَ ذَلِكَ مِنْهُمْ وَأَعْطَاهُ غَيْرَهُمْ مِمَّنْ يَسْتَحِقُّهُ. قال: وَإِنْ أَفْلَسُوا بِهِ، أَوْ فَاتُوهُ فَلَمْ يَقْدِرْ لَهُمْ عَلَى مَالٍ وَلاَ عَيْنٍ فَلاَ ضَمَانَ عَلَى الْوَالِي؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ لِمَنْ يُعْطِيهِ وَيَأْخُذُ مِنْهُ لاَ لِبَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ، وَإِنْ أَخْطَأَ، وَإِنَّمَا كُلِّفَ فِيهِ الظَّاهِرَ مِثْلُ الْحَكَمِ فَلاَ يَضْمَنُ الْأَمْرَيْنِ مَعًا، وَمَتَى مَا قَدَرَ عَلَى مَا فَاتَ مِنْ ذَلِكَ، أَوْ قَدَرَ عَلَى غَيْرِهِ أغرمهموه وَأَعْطَاهُ الَّذِينَ اسْتَحَقُّوهُ يَوْمَ كَانَ قَسَمَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ كَانُوا مَاتُوا دَفَعَهُ إلَى وَرَثَتِهِ إنْ كَانُوا فُقَرَاءَ، أَوْ أَغْنِيَاءَ دَفَعَهُ إلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ اسْتَحَقُّوهُ فِي الْيَوْمِ الَّذِي أَعْطَاهُ غَيْرَهُمْ وَهُمْ يَوْمئِذٍ مِنْ أَهْلِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمُتَوَلِّي الْقَسْمَ رَبَّ الْمَالِ دُونَ الْوَالِي فَعَلِمَ أَنَّ بَعْضَ مَنْ أَعْطَاهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ السُّهْمَانِ أَمَّا مَا أَعْطَاهُمْ عَلَى مَسْكَنَةٍ وَفَقْرٍ وَغُرْمٍ، أَوْ ابْنِ سَبِيلٍ، فَإِذَا هُمْ مَمَالِيكُ، أَوْ لَيْسُوا عَلَى الْحَالِ الَّتِي أَعْطَاهُمْ لَهَا رَجَعَ عَلَيْهِمْ فَأَخَذَهُ مِنْهُمْ فَقَسَمَهُ عَلَى أَهْلِهِ، فَإِنْ مَاتُوا، أَوْ أَفْلَسُوا فَفِيهَا قَوْلاَنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ عَلَيْهِ ضَمَانَهُ وَأَدَاءَهُ إلَى أَهْلِهِ وَمَنْ قَالَ هَذَا قَالَ عَلَى صَاحِبِ الزَّكَاةِ أَنْ يُوفِيَهَا أَهْلَهَا وَلاَ يُبْرِئَهُ مِنْهَا إلَّا أَنْ يَدْفَعَهَا إلَى أَهْلِهَا كَمَا لاَ يُبْرِئُهُ ذَلِكَ مِنْ شَيْءٍ لَزِمَهُ، فَأَمَّا الْوَالِي فَهُوَ أَمِينٌ فِي أَخْذِهَا وَإِعْطَائِهَا أَلاَ تَرَى أَنَّهُ لاَ يُضَمِّنُ صَاحِبُ الصَّدَقَةِ الدَّافِعَ إلَى الْوَالِي وَأَنَّهُ يَبْرَأُ بِدَفْعِهِ إلَيْهِ الصَّدَقَةَ؛ لِأَنَّهُ أُمِرَ بِدَفْعِهَا إلَيْهِ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ لاَ ضَمَانَ عَلَى صَاحِبِ الصَّدَقَةِ إذَا قَسَمَهَا عَلَى الِاجْتِهَادِ كَمَا لاَ يَضْمَنُ الْوَالِي. قال: وَإِنْ أَعْطَاهَا رَجُلاً عَلَى أَنْ يَغْزُوَ، أَوْ رَجُلاً عَلَى أَنْ يَسِيرَ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ، فَأَقَامَا نَزَعَ مِنْهُمَا الَّذِي أَعْطَاهُمَا وَأَعْطَاهُ غَيْرَهُمَا مِمَّنْ يَخْرُجُ إلَى مِثْلِ مَخْرَجِهِمَا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: يَنْبَغِي لِوَالِي الصَّدَقَةِ أَنْ يَبْدَأَ فَيَأْمُرَ بِأَنْ يُكْتَبَ أَهْلُ السُّهْمَانِ وَيُوضَعُونَ مَوَاضِعَهُمْ وَيُحْصَى كُلُّ أَهْلِ صِنْفٍ مِنْهُمْ عَلَى حِدَتِهِمْ فَيُحْصَى أَسْمَاءُ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَيُعْرَفُ كَمْ يُخْرِجُهُمْ مِنْ الْفَقْرِ، أَوْ الْمَسْكَنَةِ إلَى أَدْنَى اسْمِ الْغِنَى وَأَسْمَاءُ الْغَارِمِينَ وَمَبْلَغُ غُرْمِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَابْنِ السَّبِيلِ وَكَمْ يُبَلِّغُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الْبَلَدَ الَّذِي يُرِيدُ وَالْمُكَاتَبِينَ وَكَمْ يُؤَدِّي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَتَّى يَعْتِقُوا وَأَسْمَاءُ الْغُزَاةِ وَكَمْ يَكْفِيهِمْ عَلَى غَايَةِ مَغَازِيهِمْ وَيَعْرِفُ الْمُؤَلَّفَةَ قُلُوبُهُمْ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَمَا يَسْتَحِقُّونَ بِعَمَلِهِمْ يَكُونُ قَبْضُهُ الصَّدَقَاتِ مَعَ فَرَاغِهِ مِنْ مَعْرِفَةِ مَا وَصَفْت مِنْ مَعْرِفَةِ أَهْلِ السُّهْمَانِ، أَوْ بَعْدَهَا ثُمَّ يُجَزِّئُ الصَّدَقَةَ ثَمَانِيَةَ أَجْزَاءٍ ثُمَّ يُفَرِّقُهَا كَمَا أَصِفُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ مَثَّلْت لَك مِثَالاً كَانَ الْمَالُ ثَمَانِيَةَ آلاَفٍ فَلِكُلِّ صِنْفٍ أَلْفٌ لاَ يَخْرُجُ عَنْ صِنْفٍ مِنْهُمْ مِنْ الْأَلْفِ شَيْءٌ وَفِيهِمْ أَحَدٌ يَسْتَحِقُّهُ فَأَحْصَيْنَا الْفُقَرَاءَ فَوَجَدْنَاهُمْ ثَلاَثَةً وَالْمَسَاكِينَ فَوَجَدْنَاهُمْ مِائَةً وَالْغَارِمِينَ فَوَجَدْنَاهُمْ عَشَرَةً ثُمَّ مَيَّزْنَا الْفُقَرَاءَ فَوَجَدْنَاهُمْ يَخْرُجُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ مِنْ الْفَقْرِ بِمِائَةٍ وَآخَرُ مِنْ الْفَقْرِ بِثَلَثِمِائَةٍ وَآخَرُ مِنْ الْفَقْرِ بِسِتِّمِائَةٍ فَأَعْطَيْنَا كُلَّ وَاحِدٍ مَا يُخْرِجُهُ مِنْ الْفَقْرِ إلَى الْغِنَى وَمَيَّزْنَا الْمَسَاكِينَ هَكَذَا فَوَجَدْنَا الْأَلْفَ يُخْرِجُ الْمِائَةَ مِنْ الْمَسْكَنَةِ إلَى الْغِنَى فَأعطَيْناهُمُوها عَلَى قَدْرِ مَسْكَنَتِهِمْ كَمَا وَصَفْت فِي الْفُقَرَاءِ لاَ عَلَى الْعَدَدِ وَلاَ وَقْتَ فِيمَا يُعْطَى الْفُقَرَاءُ وَالْمَسَاكِينُ إلَى مَا يُصَيِّرُهُمْ إلَى أَنْ يَكُونُوا مِمَّنْ يَقَعُ عَلَيْهِمْ اسْمُ أَغْنِيَاءَ لاَ غِنَى سَنَةٍ وَلاَ وَقْتٍ وَلَكِنْ مَا يُعْقَلُ أَنَّهُمْ خَارِجُونَ بِهِ مِنْ الْفَقْرِ، أَوْ الْمَسْكَنَةِ دَاخِلُونَ فِي أَوَّلِ مَنَازِلِ الْغِنَى إنْ أَغْنَى أَحَدَهُمْ دِرْهَمٌ مَعَ كَسْبِهِ، أَوْ مَالِهِ لَمْ يُزَدْ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يُغْنِهِ الْأَلْفُ أُعْطِيَهَا إذَا اتَّسَعَتْ الْأَسْهُمُ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لاَ حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ» وَالْغَنِيُّ إذَا كَانَ غَنِيًّا بِالْمَالِ «وَلاَ لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ» يَعْنِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَلاَ فَقِيرٍ اسْتَغْنَى بِكَسْبِهِ؛ لِأَنَّهُ أَحَدُ الْغِنَاءَيْنِ وَلَكِنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَّقَ الْكَلاَمَيْنِ لِافْتِرَاقِ سَبَبِ الْغِنَاءَيْنِ فَالْغِنَى الْأَوَّلُ الْغِنَى بِالْمَالِ الَّذِي لاَ يَضُرُّ مَعَهُ تَرْكُ الْكَسْبِ وَيَزِيدُ فِيهِ الْكَسْبُ، هُوَ الْغِنَى الْأَعْظَمُ، وَالْغِنَى الثَّانِي الْغِنَى بِالْكَسْبِ، فَإِنْ قِيلَ: قَدْ يَذْهَبُ الْكَسْبُ بِالْمَرَضِ، قِيلَ: وَيَذْهَبُ الْمَالُ بِالتَّلَفِ، وَإِنَّمَا يُنْظَرُ إلَيْهِ بِالْحَالِ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا الْقَسْمُ لاَ فِي حَالٍ قَبْلَهَا وَلاَ بَعْدَهَا؛ لِأَنَّ مَا قَبْلَهَا مَاضٍ وَمَا بَعْدَهَا لاَ يُعْرَفُ مَا هُوَ كَائِنٌ فِيهِ، وَإِنَّمَا الْأَحْكَامُ عَلَى يَوْمِ يَكُونُ فِيهِ الْقَسْمُ وَالْقَسْمُ يَوْمَ يَكُونُ الِاسْتِحْقَاقُ وَوَجَدْنَا الْغَارِمِينَ فَنَظَرْنَا فِي غُرْمِهِمْ فَوَجَدْنَا الْأَلْفَ تُخْرِجُهُمْ مَعًا مِنْ الْغُرْمِ عَلَى اخْتِلاَفِ مَا يُخْرِجُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَأَعْطَيْنَاهُمْ الْأَلْفَ كُلَّهَا عَلَى مِثَالِ مَا أَعْطَيْنَا الْفُقَرَاءَ وَالْمَسَاكِينَ ثُمَّ فَعَلْنَا هَذَا فِي الْمُكَاتَبِينَ كَمَا فَعَلْنَاهُ فِي الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْغَارِمِينَ ثُمَّ نَظَرْنَا فِي أَبْنَاءِ السَّبِيلِ فَمَيَّزْنَاهُمْ وَنَظَرْنَا الْبُلْدَانَ الَّتِي يُرِيدُونَ، فَإِنْ كَانَتْ بَعِيدَةً أَعْطَيْنَاهُمْ الْحُمْلاَنَ وَالنَّفَقَةَ، وَإِنْ كَانُوا يُرِيدُونَ الْبُدَاءَةَ فَالْبُدَاءَةُ وَحْدَهَا، وَإِنْ كَانُوا يُرِيدُونَ الْبُدَاءَةَ وَالرَّجْعَةَ فَالْبُدَاءَةُ وَالرَّجْعَةُ وَالنَّفَقَةُ مَبْلَغُ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالْكِرَاءِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَلْبَسٌ فَالْمَلْبَسُ بِأَقَلَّ مَا يَكْفِي مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ صِنْفٍ مِنْ هَذَا وَأَقْصَدِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمَكَانُ قَرِيبًا وَابْنُ السَّبِيلِ ضَعِيفًا فَهَكَذَا. وَإِنْ كَانَ قَرِيبًا وَابْنُ السَّبِيلِ قَوِيًّا، فَالنَّفَقَةُ دُونَ الْحَمُولَةِ إذَا كَانَ بِلاَدًا يَمْشِي مِثْلَهَا مَأْهُولَةً مُتَّصِلَةَ الْمِيَاهِ مَأْمُونَةً، فَإِنْ انْتَاطَتْ مِيَاهُهَا، أَوْ أَخَافَتْ، أَوْ أَوْحَشَتْ أُعْطُوا الْحَمُولَةَ ثُمَّ صُنِعَ بِهِمْ فِيهَا كَمَا وَصَفْت فِي أَهْلِ السُّهْمَانِ قَبْلَهُمْ يُعْطَوْنَ عَلَى الْمُؤْنَةِ لاَ عَلَى الْعَدَدِ. وَيُعْطَى الْغُزَاةُ الْحَمُولَةَ وَالرَّحْلَ وَالسِّلاَحَ وَالنَّفَقَةَ وَالْكِسْوَةَ، فَإِنْ اتَّسَعَ الْمَالُ زِيدُوا الْخَيْلَ، وَإِنْ لَمْ يَتَّسِعْ فَحَمُولَةُ الْأَبْدَانِ بِالْكِرَاءِ وَيُعْطَوْنَ الْحَمُولَةَ بَادِئِينَ وَرَاجِعِينَ، وَإِنْ كَانُوا يُرِيدُونَ الْمُقَامَ أُعْطُوا الْمُؤْنَةَ بَادِئِينَ وَقُوَّةً عَلَى الْمُقَامِ بِقَدْرِ مَا يُرِيدُونَ مِنْهُ قَدْرَ مَغَازِيهِمْ وَمُؤْنَاتِهِمْ فِيهَا لاَ عَلَى الْعَدَدِ وَمَا أُعْطُوا مِنْ هَذَا فَفَضْلٌ فِي أَيْدِيهِمْ لَمْ يُضَيَّقْ عَلَيْهِمْ أَنْ يتمولوه وَلَمْ يَكُنْ لِلْوَالِي أَخْذُهُ مِنْهُمْ بَعْدَ أَنْ يَغْزُوا، وَكَذَلِكَ ابْنُ السَّبِيلِ. قَالَ: وَلاَ يُعْطَى أَحَدٌ مِنْ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ عَلَى الْإِسْلاَمِ وَلاَ إنْ كَانَ مُسْلِمًا إلَّا أَنْ يَنْزِلَ بِالْمُسْلِمِينَ نَازِلَةٌ لاَ تَكُونُ الطَّاعَةُ لِلْوَالِي فِيهَا قَائِمَةً وَلاَ أَهْلُ الصَّدَقَةِ الْمُوَلَّوْنَ أَقْوِيَاءَ عَلَى اسْتِخْرَاجِهَا إلَّا بِالْمُؤَلَّفَةِ لَهَا وَتَكُونُ بِلاَدُ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ مُمْتَنِعَةً بِالْبُعْدِ، أَوْ كَثْرَةِ الْأَهْلِ، أَوْ مَنْعِهِمْ مِنْ الْأَدَاءِ، أَوْ يَكُونُ قَوْمٌ لاَ يُوثَقُ بِثَبَاتِهِمْ فَيُعْطَوْنَ مِنْهَا الشَّيْءَ عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى الْإِمَامُ عَلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ لاَ يَبْلُغُ اجْتِهَادُهُ فِي حَالٍ أَنْ يَزِيدَهُمْ عَلَى سَهْمِ الْمُؤَلَّفَةِ وَيُنْقِصَهُمْ مِنْهُ إنْ قَدَرَ حَتَّى يَقْوَى بِهِمْ عَلَى أَخْذِ الصَّدَقَاتِ مِنْ أَهْلِهَا، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ أَتَى أَبَا بَكْرٍ بِنَحْوِ ثَلَثِمِائَةِ بَعِيرٍ صَدَقَةِ قَوْمِهِ فَأَعْطَاهُ مِنْهَا ثَلاَثِينَ بَعِيرًا وَأَمَرَهُ بِالْجِهَادِ مَعَ خَالِدٍ فَجَاهَدَ مَعَهُ بِنَحْوٍ مِنْ أَلْفِ رَجُلٍ، وَلَعَلَّ أَبَا بَكْرٍ أَعْطَاهُ مِنْ سَهْمِ الْمُؤَلَّفَةِ إنْ كَانَ هَذَا ثَابِتًا، فَإِنِّي لاَ أَعْرِفُهُ مِنْ وَجْهٍ يُثْبِتُهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ، هُوَ مِنْ حَدِيثِ مَنْ يَنْسُبُ إلَى بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالرِّدَّةِ. قَالَ: وَيُعْطَى الْعَامِلُونَ عَلَيْهَا بِقَدْرِ أُجُورِ مِثْلِهِمْ فِيمَا تَكَلَّفُوا مِنْ السَّفَرِ وَقَامُوا بِهِ مِنْ الْكِفَايَةِ لاَ يُزَادُونَ عَلَيْهِ شَيْئًا وَيَنْبَغِي لِلْوَالِي أَنْ يَسْتَأْجِرَهُمْ أُجْرَةً، فَإِنْ أَغْفَلَ ذَلِكَ أَعْطَاهُمْ أَجْرَ أَمْثَالِهِمْ، فَإِنْ تَرَكَ ذَلِكَ لَمْ يَسَعْهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا إلَّا قَدْرَ أُجُورِ أَمْثَالِهِمْ وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ سَهْمًا مِنْ أَسْهُمِ الْعَامِلِينَ، أَوْ سَهْمَ الْعَامِلِينَ كُلَّهُ إنَّمَا لَهُمْ فِيهِ أُجُورُ أَمْثَالِهِمْ، فَإِنْ جَاوَزَ ذَلِكَ سَهْمَ الْعَامِلِينَ وَلَمْ يُوجَدْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْأَمَانَةِ وَالْكِفَايَةِ يَلِي إلَّا بِمُجَاوَزَةِ الْعَامِلِينَ رَأَيْت أَنْ يُعْطِيَهُمْ الْوَالِي سَهْمَ الْعَامِلِينَ تَامًّا وَيَزِيدَهُمْ قَدْرَ أُجُورِ أَمْثَالِهِمْ مِنْ سَهْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ، لَوْ أَعْطَاهُمْ مِنْ السُّهْمَانِ مَعَهُ حَتَّى يُوفِيَهُمْ أُجُورَ أَمْثَالِهِمْ مَا رَأَيْت ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ضَيِّقًا عَلَيْهِ وَلاَ عَلَى الْعَامِلِ أَنْ يَأْخُذَهُ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَأْخُذْهُ ضَاعَتْ الصَّدَقَةُ أَلاَ تَرَى أَنَّ مَالَ الْيَتِيمِ يَكُونُ بِالْمَوْضِعِ فَيُسْتَأْجَرُ عَلَيْهِ إذَا خِيفَ ضَيْعَتُهُ مَنْ يَحْفَظُهُ، وَإِنْ أَتَى ذَلِكَ عَلَى كَثِيرٍ مِنْهُ وَقَلَّمَا يَكُونُ أَنْ يَعْجَزَ سَهْمُ الْعَامِلِينَ عَنْ مَبْلَغِ أُجْرَةِ الْعَامِلِ وَقَدْ يُوجَدُ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ أَمِينٌ يَرْضَى بِسَهْمِ الْعَامِلِ وَأَقَلَّ مِنْهُ فَيُوَلَّاهُ أَحَبُّ إلَيَّ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: وَجِمَاعُ مَا قَسَمْنَا عَلَى السُّهْمَانِ عَلَى اسْتِحْقَاقِ كُلِّ مَنْ سُمِّيَ لاَ عَلَى الْعَدَدِ وَلاَ عَلَى أَنْ يُعْطَى كُلُّ صِنْفٍ سَهْمًا، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفُوهُ بِالْحَاجَةِ إلَيْهِ وَلاَ يَمْنَعُهُمْ أَنْ يَسْتَوْفُوا سُهْمَانَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا مِنْ غَيْرِهَا إذَا فَضَلَ عَنْ غَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَعْطَى كُلَّ صِنْفٍ مِنْهُمْ سَهْمًا مُؤَقَّتًا فَأَعْطَيْنَاهُ بِالْوَجْهَيْنِ مَعًا فَكَانَ مَعْقُولاً أَنَّ الْفُقَرَاءَ وَالْمَسَاكِينَ وَالْغَارِمِينَ إذَا أُعْطُوا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْ الْفَقْرِ وَالْمَسْكَنَةِ إلَى الْغِنَى وَالْغُرْمِ إلَى أَنْ لاَ يَكُونُوا غَارِمِينَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِي السُّهْمَانِ شَيْءٌ وَصَارُوا أَغْنِيَاءَ كَمَا لَمْ يَكُنْ لِلْأَغْنِيَاءِ عَلَى الِابْتِدَاءِ مَعَهَا شَيْءٌ وَكَانَ الَّذِي يُخْرِجُهُمْ مِنْ اسْمِ الْفَقْرِ وَالْمَسْكَنَةِ وَالْغُرْمِ يُخْرِجُهُمْ مِنْ مَعْنَى أَسْمَائِهِمْ، وَهَكَذَا الْمُكَاتَبُونَ وَكَانَ ابْنُ السَّبِيلِ وَالْغَازِي يُعْطَوْنَ مِمَّا وَصَفْت مِنْ كِفَايَتِهِمْ مُؤْنَةَ سَبِيلِهِمْ وَغَزْوِهِمْ وَأُجْرَةَ الْوَالِي الْعَامِلِ عَلَى الصَّدَقَةِ وَلَمْ يُخْرِجْهُمْ مِنْ اسْمِ أَنْ يَكُونُوا بَنِي سَبِيلٍ وَلاَ غُزَاةً وَلاَ عَامِلِينَ مَا كَانُوا مُسَافِرِينَ وَغُزَاةً وَعُمَّالاً، فَلَمْ يُعْطَوْا إلَّا بِالْمَعْنَى دُونَ جِمَاعِ الِاسْمِ، وَهَكَذَا الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ لاَ يَزُولُ هَذَا الِاسْمُ عَنْهُمْ، لَوْ أُعْطِيَ كُلُّ صِنْفٍ مِنْ هَؤُلاَءِ كُلَّ السُّهْمَانِ. قال: فَهُمْ يَجْتَمِعُونَ فِي الْمَعَانِي الَّتِي يُعْطَوْنَ بِهَا، وَإِنْ تَفَرَّقَتْ بِهِمْ الْأَسْمَاءُ.
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: فَإِذَا اتَّسَعَتْ السُّهْمَانُ، فَقَدْ مَثَّلْت لَهَا مِثَالاً كَانَتْ السُّهْمَانُ ثَمَانِيَةَ آلاَفٍ فَوَجَدْنَا الْفُقَرَاءَ ثَلاَثَةً يُخْرِجُهُمْ مِنْ الْفَقْرِ مِائَةٌ وَالْمَسَاكِينَ خَمْسَةً يُخْرِجُهُمْ مِنْ الْمَسْكَنَةِ مِائَتَانِ وَالْغَارِمِينَ أَرْبَعَةً يُخْرِجُهُمْ مِنْ الْغُرْمِ أَلْفٌ، فَيَفْضُلُ عَنْ الْفُقَرَاءِ تِسْعُمِائَةٍ، وَعَنْ الْمَسَاكِينِ ثَمَانُمِائَةٍ وَاسْتَغْرَقَ الْغَارِمُونَ سَهْمَهُمْ، فَوَقَفْنَا الْأَلْفَ وَسَبْعَمِائَةٍ الَّتِي فَضَلَتْ عَنْ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، فَضَمَمْنَاهَا إلَى السُّهْمَانِ الْخَمْسَةِ الْبَاقِيَةِ سَهْمِ الْغَارِمِينَ وَسَهْمِ الْمُؤَلَّفَةِ وَسَهْمِ الرِّقَابِ وَسَهْمِ سَبِيلِ اللَّهِ وَسَهْمِ ابْنِ السَّبِيلِ، ثُمَّ ابْتَدَأْنَا بِالْقَسْمِ بَيْنَ هَؤُلاَءِ الْبَاقِينَ كَابْتِدَائِنَا لَوْ كَانُوا هُمْ أَهْلُ السُّهْمَانِ لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ السُّهْمَانِ مَعَهُمْ، فَأَعْطَيْنَاهُمْ سُهْمَانَهُمْ، وَالْفَضْلُ عَمَّنْ اسْتَغْنَى مِنْ أَهْلِ السُّهْمَانِ مِنْهُمْ، فَإِذَا اسْتَغْنَى صِنْفٌ مِنْهُمْ بِأَقَلَّ مِنْ سَهْمِهِ جُعِلَ فِي جُمْلَةِ الْأَصْلِ، هُوَ الثُّمُنَ وَمَا رُدَّ عَلَيْهِمْ مِنْ الْفَضْلِ عَنْ أَهْلِ السُّهْمَانِ، وَأَرُدُّ الْفَضْلَ عَنْهُ عَلَى أَهْلِ السُّهْمَانِ مَعًا، كَمَا أَرُدُّ عَلَيْهِ وَعَلَى أَهْلِ السُّهْمَانِ مَعَهُ الْفَضْلَ عَنْ غَيْرِهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: فَإِذَا كَانَتْ السُّهْمَانُ ثَمَانِيَةَ آلاَفٍ فَكَانَ كُلُّ سَهْمٍ أَلْفًا فَأَحْصَيْنَا الْفُقَرَاءَ فَوَجَدْنَاهُمْ خَمْسَةً يُخْرِجُهُمْ مِنْ الْفَقْرِ خَمْسُمِائَةٍ وَوَجَدْنَا الْمَسَاكِينَ عَشَرَةً يُخْرِجُهُمْ مِنْ الْمَسْكَنَةِ خَمْسُمِائَةٍ وَوَجَدْنَا الْغَارِمِينَ عَشَرَةً يُخْرِجُهُمْ مِنْ الْغُرْمِ خَمْسَةُ آلاَفٍ فَسَأَلَ الْغَارِمُونَ أَنْ يُبْدَأَ بِالْقَسْمِ بَيْنَهُمْ فَوْضَى عَلَى قَدْرِ اسْتِحْقَاقِهِمْ بِالْحَاجَةِ فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُمْ وَيُعْطَى كُلُّ صِنْفٍ مِنْهُمْ سَهْمَهُ حَتَّى يَسْتَغْنِيَ عَنْهُ، فَإِذَا اسْتَغْنَى عَنْهُ رُدَّ عَلَى أَهْلِ السُّهْمَانِ مَعَهُ وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِأَحَقَّ بِهِ مِنْ جَمِيعِ أَهْلِ السُّهْمَانِ ثُمَّ هَكَذَا يُصْنَعُ فِي جَمِيعِ أَهْلِ السُّهْمَانِ وَفِي كُلِّ صِنْفٍ مِنْهُمْ سَهْمُهُ وَلاَ يَدْخُلُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ حَتَّى يَسْتَغْنِيَ ثُمَّ لاَ يَكُونُ أَحَدٌ أَحَقَّ بِالْفَضْلِ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ السُّهْمَانِ مِنْ غَيْرِهِ، فَإِنْ اخْتَلَفَ غُرْمُ الْغَارِمِينَ فَكَانَ عِدَّتُهُمْ عَشَرَةً وَغُرْمُ أَحَدِهِمْ مِائَةٌ وَغُرْمُ الْآخَرِ أَلْفٌ وَغُرْمُ الْآخَرِ خَمْسُمِائَةٍ فَسَأَلُوا أَنْ يُعْطَوْا عَلَى الْعَدَدِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُمْ وَجُمِعَ غُرْمُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَكَانَ غُرْمُهُمْ عَشَرَةَ آلاَفٍ وَسَهْمُهُمْ أَلْفًا فَيُعْطَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عُشْرَ غُرْمِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ، فَيُعْطَى الَّذِي غُرْمُهُ مِائَةٌ عَشَرَةً، وَاَلَّذِي غُرْمُهُ أَلْفٌ مِائَةً، وَاَلَّذِي غُرْمُهُ خَمْسُمِائَةٍ خَمْسِينَ فَيَكُونُونَ قَدْ سُوِّيَ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ غُرْمِهِمْ لاَ عَلَى عَدَدِهِمْ وَلاَ يُزَادُ عَلَيْهِ، فَإِنْ فَضَلَ فَضْلٌ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ السُّهْمَانِ مَعَهُمْ عِيدَ بِهِ عَلَيْهِمْ وَعَلَى غَيْرِهِمْ فَأُعْطِيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا يُصِيبُهُ لِعُشْرِ غُرْمِهِ، فَإِذَا لَمْ تَكُنْ رِقَابٌ وَلاَ مُؤَلَّفَةٌ وَلاَ غَارِمُونَ ابْتَدَأَ الْقَسْمَ عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ فَفُضَّتْ الثَّمَانِيَةُ أَسْهُمٍ عَلَيْهِ أَخْمَاسًا، وَهَكَذَا كُلُّ صِنْفٍ مِنْهُمْ لاَ يُوجَدُ، وَكُلُّ صِنْفٍ اسْتَغْنَى عِيدَ بِفَضْلِهِ عَلَى مَنْ مَعَهُ مِنْ أَهْلِ السُّهْمَانِ، وَلاَ يُخْرَجُ مِنْ الصَّدَقَةِ شَيْءٌ عَنْ بَلَدِهِ الَّذِي أُخِذَتْ بِهِ، قَلَّ وَلاَ كَثُرَ، حَتَّى لاَ يَبْقَى وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ السُّهْمَانِ إلَّا أُعْطِيَ حَقَّهُ، لَوْ فُقِدَ أَهْلُ السُّهْمَانِ كُلُّهُمْ إلَّا الْفُقَرَاءَ وَالْعَامِلِينَ، قُسِمَتْ الثَّمَانِيَةُ عَلَيْهِمْ، حَتَّى يُوَفَّى الْفُقَرَاءُ مَا يُخْرِجُهُمْ مِنْ الْفَقْرِ، وَيُعْطَى الْعَامِلُونَ بِقَدْرِ إجْزَائِهِمْ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: لَوْ كَانَتْ السُّهْمَانُ ثَمَانِيَةً وَأَهْلُ السُّهْمَانِ وَافِرُونَ فَجَمَعْنَا الْفُقَرَاءَ فَوَجَدْنَاهُمْ وَوَجَدْنَا الْمَسَاكِينَ مِائَةً يُخْرِجُهُمْ مِنْ الْمَسْكَنَةِ أَلْفٌ وَالْغَارِمِينَ فَوَجَدْنَاهُمْ ثَلاَثَةً يُخْرِجُهُمْ مِنْ الْغُرْمِ أَلْفٌ فَسَأَلَ الْفُقَرَاءُ وَالْمَسَاكِينُ أَنْ يُجْعَلَ الْمَالُ كُلُّهُ بَيْنَهُمْ فَوْضَى عَلَى قَدْرِ اسْتِحْقَاقِهِمْ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُمْ، وَأُعْطِيَ كُلُّ صِنْفٍ مِنْهُمْ كَامِلاً وَقُسِمَ بَيْنَ أَهْلِ كُلِّ صِنْفٍ عَلَى قَدْرِ اسْتِحْقَاقِهِمْ، فَإِنْ أَغْنَاهُمْ فَذَاكَ، وَإِنْ لَمْ يُغْنِهِمْ لَمْ يُعْطَوْا شَيْئًا إلَّا مَا فَضَلَ عَنْ غَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ السُّهْمَانِ، وَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ عَنْ غَيْرِهِمْ شَيْءٌ لَمْ يُزَادُوا عَلَى سَهْمِهِمْ، لَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَضَاقَتْ السُّهْمَانُ عَنْهُمْ كُلِّهِمْ فَلَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ صِنْفٌ يَسْتَغْنِي بِسَهْمِهِ، أَوْ فِي كُلِّ صِنْفٍ مِنْهُمْ سَهْمُهُ، لَمْ يُزَدْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَالِ فَضْلٌ يُعَادُ بِهِ عَلَيْهِ، لَوْ كَانَ أَهْلُ صِنْفٍ مِنْهُمْ مُتَمَاسِكِينَ لَوْ تُرِكُوا وَلَمْ يُعْطَوْا فِي عِلْمِهِمْ ذَلِكَ لَمَا شَكَوْا وَأَهْلُ كُلِّ صِنْفٍ مِنْهُمْ يُخَافَ هَلاَكُهُمْ لِكَثْرَتِهِمْ وَشِدَّةِ حَاجَتِهِمْ وَضِيقِ سَهْمِهِمْ لَمْ يَكُنْ لِلْوَالِي أَنْ يَزِيدَهُمْ عَلَى سَهْمِهِمْ مِنْ سَهْمِ غَيْرِهِمْ حَتَّى يَسْتَغْنِيَ غَيْرُهُمْ ثُمَّ يَرُدَّ فَضْلاً إنْ كَانَ عَلَيْهِمْ مَعَ غَيْرِهِمْ وَلَمْ يَجْعَلْهُمْ أَوْلَى بِالْفَضْلِ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَإِنْ كَانُوا أَشَدَّ حَاجَةً، كَمَا لاَ يَجْعَلُ مَا قَسَمَ لِقَوْمٍ عَلَى قَوْمٍ بِمَعْنًى لِغَيْرِهِمْ لِشِدَّةِ حَاجَةٍ وَلاَ عِلَّةٍ، وَلَكِنْ يُوفَى كُلٌّ مَا جُعِلَ لَهُ، وَهَكَذَا يَصْنَعُ بِجَمِيعِ السُّهْمَانِ، لَوْ أَجْدَبَ أَهْلُ بَلَدٍ وَهَلَكَتْ مَوَاشِيهِمْ حَتَّى يُخَافَ تَلَفُهُمْ وَأَهْلُ بَلَدٍ آخَرَ مُخْصَبُونَ لاَ يُخَافُ عَلَيْهِمْ لَمْ يَجُزْ نَقْلُ صَدَقَاتِهِمْ عَنْ جِيرَتِهِمْ حَتَّى يَسْتَغْنُوا فَلاَ يُنْقَلُ شَيْءٌ جُعِلَ لِقَوْمٍ إلَى غَيْرِهِمْ أَحْوَجَ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ لاَ تُحِقُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْخُذَ مَالَ غَيْرِهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأَيُّ مَالٍ أُخِذَتْ مِنْهُ الصَّدَقَةُ قُسِمَ الْمَالُ عَلَى وَجْهِهِ وَلَمْ يُبَدَّلْ بِغَيْرِهِ وَلَمْ يُبَعْ، فَإِنْ اجْتَمَعَ حَقُّ أَهْلِ السُّهْمَانِ فِي بَعِيرٍ، أَوْ بَقَرَةٍ، أَوْ شَاةٍ، أَوْ دِينَارٍ، أَوْ دِرْهَمٍ، أَوْ اجْتَمَعَ فِيهِ اثْنَانِ مِنْ أَهْلِ السُّهْمَانِ وَأَكْثَرُ أُعْطَوْهُ وَأُشْرِكَ بَيْنَهُمْ فِيهِ كَمَا يُعْطَى الَّذِي وُهِبَ لَهُمْ وَأُوصِيَ لَهُمْ بِهِ وَأُقِرَّ لَهُمْ بِهِ وَاشْتَرَوْهُ بِأَمْوَالِهِمْ، وَكَذَلِكَ إنْ اسْتَحَقَّ أَحَدُهُمْ عُشْرَهُ وَآخَرُ نِصْفَهُ وَآخَرُ مَا بَقِيَ مِنْهُ أُعْطُوهُ عَلَى قَدْرِ مَا اسْتَحَقُّوا مِنْهُ، وَهَكَذَا يُصْنَعُ فِي جَمِيعِ أَصْنَافِ الصَّدَقَاتِ لاَ يُخْتَلَفُ فِيهِ فِي الْمَاشِيَةِ كُلِّهَا وَالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ حَتَّى يُشْرَكَ بَيْنَ النَّفَرِ فِي الدِّرْهَمِ وَالدِّينَارِ لاَ يُبَاعُ عَلَيْهِمْ بِغَيْرِهِ وَلاَ تُبَاعُ الدَّنَانِيرُ بِدَرَاهِمَ وَلاَ الدَّرَاهِمُ بِفُلُوسٍ وَلاَ بِحِنْطَةٍ ثُمَّ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمْ، وَأَمَّا التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ وَمَا أَخْرَجَتْ الْأَرْضُ، فَإِنَّهُ يُكَالُ لِكُلٍّ حَقُّهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَجَمِيعُ مَا أُخِذَ مِنْ مُسْلِمٍ مِنْ صَدَقَةِ فِطْرٍ وَخُمُسِ رِكَازٍ وَزَكَاةِ مَعْدِنٍ وَصَدَقَةِ مَاشِيَةٍ وَزَكَاةِ مَالٍ وَعُشْرِ زَرْعٍ وَأَيِّ أَصْنَافِ الصَّدَقَاتِ أُخِذَ مِنْ مُسْلِمٍ فَقَسْمُهُ وَاحِدٌ عَلَى الآيَةِ الَّتِي فِي بَرَاءَةٌ {إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} الآيَةَ. لاَ يَخْتَلِفُ، وَسَوَاءٌ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ عَلَى مَا وَصَفْت، فَإِذَا قَسَمَهُ الْوَالِي فَفِيهِ سَهْمُ الْعَامِلِينَ مِنْهُ سَاقِطٌ؛ لِأَنَّهُ لاَ عَامِلَ عَلَيْهِ يَأْخُذُهُ فَيَكُونُ لَهُ أَجْرُهُ فِيهِ وَالْعَامِلُونَ فِيهِ عَدَمٌ، فَإِنْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ: فَأَنَا إلَيَّ أَخْذُهُ مِنْ نَفْسِي وَجَمْعُهُ وَقَسْمُهُ فَآخُذُ أَجْرَ مِثْلِي قِيلَ إنَّهُ لاَ يُقَالُ لَك عَامِلُ نَفْسِك وَلاَ يَجُوزُ لَك إذَا كَانَتْ الزَّكَاةُ فَرْضًا عَلَيْك أَنْ يَعُودَ إلَيْك مِنْهَا شَيْءٌ، فَإِنْ أَدَّيْت مَا كَانَ عَلَيْك أَنْ تُؤَدِّيَهُ وَإِلَّا كُنْت عَاصِيًا لَوْ مَنَعْته، فَإِنْ قَالَ: فَإِنْ وَلَّيْتهَا غَيْرِي؟ قِيلَ إذَا كُنْت لاَ تَكُونُ عَامِلاً عَلَى غَيْرِك لَمْ يَكُنْ غَيْرُك عَامِلاً إذَا اسْتَعْمَلْته أَنْتَ، وَلاَ يَكُونُ وَكِيلُك فِيهَا إلَّا فِي مَعْنَاك، أَوْ أَقَلَّ؛ لِأَنَّ عَلَيْك تَفْرِيقُهَا، فَإِذَا تَحَقَّقَ مِنْك فَلَيْسَ لَك الِانْتِقَاصُ مِنْهَا لَمَّا تَحَقَّقْت بِقِيَامِهِ بِهَا. قال: وَلاَ أُحِبُّ لِأَحَدٍ مِنْ النَّاسِ يُوَلِّي زَكَاةَ مَالِهِ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّ الْمُحَاسِبَ بِهَا الْمَسْئُولَ عَنْهَا هُوَ، فَهُوَ أَوْلَى بِالِاجْتِهَادِ فِي وَضْعِهَا مَوَاضِعَهَا مِنْ غَيْرِهِ وَأَنَّهُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ فِعْلِ نَفْسِهِ فِي أَدَائِهَا، وَفِي شَكٍّ مِنْ فِعْلِ غَيْرِهِ لاَ يَدْرِي أَدَّاهَا عَنْهُ، أَوْ لَمْ يُؤَدِّهَا، فَإِنْ قَالَ: أَخَافُ حِبَائِي، فَهُوَ يَخَافُ مِنْ غَيْرِهِ مِثْلَ مَا يَخَافُ مِنْ نَفْسِهِ، وَيَسْتَيْقِنُ فِعْلَ نَفْسِهِ فِي الْأَدَاءِ وَيَشُكُّ فِي فِعْلِ غَيْرِهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَيُعْطِي الْوُلاَةُ جَمِيعَ زَكَاةِ الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ، الثَّمَرَةِ، وَالزَّرْعِ، وَالْمَعَادِنِ، وَالْمَاشِيَةِ. فَإِنْ لَمْ يَأْتِ الْوُلاَةُ بَعْدَ حُلُولِهَا لَمْ يَسَعْ أَهْلَهَا إلَّا قَسْمُهَا، فَإِنْ جَاءَ الْوُلاَةُ بَعْدَ قَسْمِ أَهْلِهَا لَمْ يَأْخُذُوهَا مِنْهُمْ ثَانِيَةً، فَإِنْ ارْتَابُوا بِأَحَدٍ وَخَافُوا دَعْوَاهُ الْبَاطِلَ فِي قَسْمِهَا فَلاَ بَأْسَ أَنْ يُحَلِّفُوهُ بِاَللَّهِ لَقَدْ قَسَمَهَا كَامِلَةً فِي أَهْلِهَا، وَإِنْ أَعْطَوْهُمْ زَكَاةَ التِّجَارَاتِ أَجْزَأَهُمْ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَإِنْ قَسَمُوهَا دُونَهُمْ فَلاَ بَأْسَ، وَهَكَذَا زَكَاةُ الْفِطْرِ وَالرِّكَازِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: لاَ يَنْبَغِي لِلْوَالِي أَنْ يُؤَخِّرَ الصَّدَقَةَ عَنْ مَحِلِّهَا عَامًا وَاحِدًا، فَإِنْ أَخَّرَهَا لَمْ يَنْبَغِ لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يُؤَخِّرَ، فَإِنْ فَعَلاَ مَعًا قَسَمَاهَا مَعًا فِي سَاعَةِ يُمْكِنُهُمَا قَسْمُهَا لاَ يُؤَخِّرَانِهَا بِحَالٍ، فَإِنْ كَانَ قَوْمٌ فِي الْعَامِ الْمَاضِي مِنْ أَهْلِهَا وَهُمْ الْعَامَ مِنْ أَهْلِهَا وَكَانَ بِقَوْمٍ حَاجَةٌ فِي عَامِهِمْ هَذَا وَكَانُوا مِنْ أَهْلِهَا وَلَمْ يَكُونُوا فِي الْعَامِ الْمَاضِي أُعْطِيَ الَّذِينَ كَانُوا فِي الْعَامِ الْمَاضِي مِنْ أَهْلِهَا صَدَقَةَ الْعَامِ الْمَاضِي، فَإِنْ اسْتَغْنَوْا بِهِ، لَمْ يُعْطَوْا مِنْهُ فِي هَذَا الْعَامِ شَيْئًا، وَكَذَلِكَ لَوْ أُخِذَتْ الصَّدَقَةُ وَرَجُلٌ مِنْ أَهْلِهَا فَلَمْ تُقْسَمْ حَتَّى أَيْسَرَ، لَمْ يُعْطَ مِنْهَا شَيْئًا، وَلاَ يُعْطَى مِنْهَا حَتَّى يَكُونَ مِنْ أَهْلِهَا يَوْمَ تُقْسَمُ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَغْنُوا بِصَدَقَةِ الْعَامِ الْمَاضِي كَانُوا شُرَكَاءَ فِي صَدَقَةِ عَامِهِمْ هَذَا مَعَ الَّذِينَ اسْتَحَقُّوا فِي عَامِهِمْ هَذَا بِأَنْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِهَا وَلاَ يَدْفَعُهُمْ عَنْ الصَّدَقَةِ الْعَامُ وَهُمْ مِنْ أَهْلِهَا بِأَنْ يَكُونُوا اسْتَوْجَبُوهَا فِي الْعَامِ الْمَاضِي قَبْلَهُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِهَا، وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّهَا فِي الْعَامَيْنِ مَعًا الْفُقَرَاءُ وَالْمَسَاكِينُ وَالْغَارِمُونَ وَالرِّقَابُ، فَأَمَّا مَنْ سِوَاهُمْ مِنْ أَهْلِ السُّهْمَانِ فَلاَ يُؤْتَى لِعَامِ أَوَّلٍ، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَامِلِينَ إنَّمَا يُعْطَوْنَ عَلَى الْعَمَلِ فَهُمْ لَمْ يَعْمَلُوا عَامَ أَوَّلٍ، وَأَنَّ ابْنَ السَّبِيلِ وَالْغُزَاةَ إنَّمَا يُعْطَوْنَ عَلَى الشُّخُوصِ وَهُمْ لَمْ يَشْخَصُوا عَامَ أَوَّلٍ، أَوْ شَخَصُوا فَاسْتَغْنَوْا عَنْهَا وَأَنَّ الْمُؤَلَّفَةَ قُلُوبُهُمْ لاَ يُعْطَوْنَ إلَّا بِالتَّأْلِيفِ فِي قَوْمِهِمْ لِلْعَوْنِ عَلَى أَخْذِهَا وَهِيَ فِي عَامِ أَوَّلٍ لَمْ تُؤْخَذْ فَيُعِينُونَ عَلَيْهَا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: كَانَتْ الْعَرَبُ أَهْلَ الصَّدَقَاتِ وَكَانَتْ تُجَاوِرُ بِالْقَرَابَةِ لِيَمْتَنِعَ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ لِمَنْ أَرَادَهَا، فَلَمَّا أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُؤْخَذَ الصَّدَقَةُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدَّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ كَانَ بَيْنَا فِي أَمْرِهِ أَنَّهَا تُرَدُّ عَلَى الْفُقَرَاءِ الْجِيرَانِ لِلْمَأْخُوذَةِ مِنْهُ الصَّدَقَةُ، وَكَانَتْ الْأَخْبَارُ بِذَلِكَ مُتَظَاهِرَةً عَلَى رُسُلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الصَّدَقَاتِ أَنَّ أَحَدَهُمْ يَأْخُذُهَا مِنْ أَهْلِ هَذَا الْبَيْتِ وَيَدْفَعُهَا إلَى أَهْلِ هَذَا الْبَيْتِ بِجَنْبِهِمْ إذَا كَانُوا مِنْ أَهْلِهَا، وَكَذَلِكَ قَضَى مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ حِينَ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَيُّمَا رَجُلٍ انْتَقَلَ عَنْ مِخْلاَفِ عَشِيرَتِهِ إلَى غَيْرِ مِخْلاَفِ عَشِيرَتِهِ فَصَدَقَتُهُ وَعُشْرُهُ إلَى مِخْلاَفِ عَشِيرَتِهِ يَعْنِي إلَى جَارِ الْمَالِ الَّذِي تُؤْخَذُ مِنْهُ الصَّدَقَةُ دُونَ جَارِ رَبِّ الْمَالِ فَبِهَذَا نَقُولُ إذَا كَانَ لِلرَّجُلِ مَالٌ بِبَلَدٍ وَكَانَ سَاكِنًا بِبَلَدٍ غَيْرِهِ قُسِّطَتْ صَدَقَتُهُ عَلَى أَهْلِ الْبَلَدِ الَّذِي بِهِ مَالُهُ الَّذِي فِيهِ الصَّدَقَةُ كَانُوا أَهْلَ قَرَابَةٍ لَهُ، أَوْ غَيْرَ قَرَابَةٍ، وَأَمَّا أَهْلُ الزَّرْعِ وَالثَّمَرَةِ الَّتِي فِيهَا الصَّدَقَةُ فَأَمْرُهُمْ بَيِّنٌ، يُقْسَمُ الزَّرْعُ وَالثَّمَرَةُ عَلَى جِيرَانِهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا جِيرَانٌ فَأَقْرَبَ النَّاسِ بِهَا جِوَارًا؛ لِأَنَّهُمْ أَوْلَى النَّاسِ بِاسْمِ جِوَارِهَا، وَكَذَلِكَ أَهْلُ الْمَوَاشِي الْخِصْبَةِ وَالْأَوَارِكِ وَالْإِبِلِ الَّتِي لاَ يُنْتَجَعُ بِهَا، فَأَمَّا أَهْلُ النُّجَعِ الَّذِينَ يَتَتَبَّعُونَ مَوَاقِعَ الْقَطْرِ، فَإِنْ كَانَتْ لَهُمْ دِيَارٌ، بِهَا مِيَاهُهُمْ وَأَكْثَرُ مُقَامِهِمْ لاَ يُؤَثِّرُونَ عَلَيْهَا إذَا أَخْصَبَتْ شَيْئًا فَأَهْلُ تِلْكَ الدَّارِ مِنْ الْمَسَاكِينِ الَّذِينَ يَلْزَمُهُمْ أَنْ تَكُونَ الْأَغْلَبَ عَلَيْهِمْ أَوْلَى كَمَا كَانَ جِيرَانُ أَهْلِ الْأَمْوَالِ الْمُقِيمِينَ أَوْلَى بِهَا، فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ يَنْتَجِعُ بِنُجْعَتِهِمْ، كَانَ أَقْرَبَ جِوَارًا مِمَّنْ يُقِيمُ فِي دِيَارِهِمْ إلَى أَنْ يَقْدَمَ عَلَيْهِمْ، وَتُقْسَمُ الصَّدَقَةُ عَلَى النَّاجِعَةِ الْمُقِيمَةِ بِنُجْعَتِهِمْ وَمُقَامِهِمْ دُونَ مَنْ انْتَجَعَ مَعَهُمْ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ دَارِهِمْ. وَدُونَ مَنْ انْتَجَعُوا إلَيْهِ فِي دَارِهِ، أَوْ لَقِيَهُمْ فِي النُّجْعَةِ مِمَّنْ لاَ يُجَاوِرُهُمْ، وَإِذَا تَخَلَّفَ عَنْهُمْ أَهْلُ دَارِهِمْ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ مُنْتَجِعٌ مِنْ أَهْلِهَا يَسْتَحِقُّ السُّهْمَانَ جُعِلَتْ السُّهْمَانُ فِي أَهْلِ دَارِهِمْ دُونَ مَنْ انْتَجَعُوا إلَيْهِ. وَلَقِيَهُمْ فِي النُّجْعَةِ مِنْ أَهْلِهَا، لَوْ انْتَقَلُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَصَدَقَاتِهِمْ بِجِيرَانِ أَمْوَالِهِمْ الَّتِي فَرُّوا بِهَا، وَإِنْ بَعُدَتْ نُجْعَتُهُمْ حَتَّى لاَ يَعُودُوا إلَى بِلاَدِهِمْ إلَّا فِيمَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلاَةُ، قُسِمَتْ الصَّدَقَةُ عَلَى جِيرَانِ أَمْوَالِهِمْ، وَلَمْ تُحْمَلْ إلَى أَهْلِ دَارِهِمْ إذَا صَارُوا مِنْهُمْ سَفَرًا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلاَةُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: وَإِذَا لَمْ يَبْقَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ إلَّا صِنْفٌ وَاحِدٌ قُسِمَتْ الصَّدَقَةُ كُلُّهَا فِي ذَلِكَ الصِّنْفِ حَتَّى يَسْتَغْنُوا، فَإِذَا فَضَلَ فَضْلٌ عَنْ إغْنَائِهِمْ نُقِلَتْ إلَى أَقْرَبِ النَّاسِ بِهِمْ دَارًا. قال: وَإِذَا اسْتَوَى فِي الْقُرْبِ أَهْلُ نَسَبِهِمْ وَعِدًى قُسِمَتْ عَلَى أَهْلِ نَسَبِهِمْ دُونَ الْعِدَى، وَإِنْ كَانَ الْعِدَى أَقْرَبَ النَّاسِ بِهِمْ دَارًا وَكَانَ أَهْلُ نَسَبِهِمْ مِنْهُمْ عَلَى سَفَرٍ تُقْصَرُ الصَّلاَةُ فِيهِ قُسِمَتْ الصَّدَقَةُ عَلَى الْعِدَى إذَا كَانَ دُونَ مَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلاَةُ؛ لِأَنَّهُمْ أَوْلَى بِاسْمِ حَضْرَتِهِمْ، وَمَنْ كَانَ أَوْلَى بِاسْمِ حَضْرَتِهِمْ كَانَ أَوْلَى بِجِوَارِهِمْ، وَإِنْ كَانَ أَهْلُ نَسَبِهِمْ دُونَ مَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلاَةُ وَالْعِدَى أَقْرَبَ مِنْهُمْ، قُسِمَتْ عَلَى أَهْلِ نَسَبِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ بِالْبَادِيَةِ غَيْرُ خَارِجِينَ مِنْ اسْمِ الْجِوَارِ، وَلِذَلِكَ هُمْ فِي الْمُتْعَةِ حَاضِرُو الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: يَنْبَغِي لِوَالِي الصَّدَقَةِ أَنْ يَسِمَ كُلَّ مَا يَأْخُذُ مِنْهَا مِنْ إبِلٍ، أَوْ بَقَرٍ، أَوْ غَنَمٍ، يَسِمُ الْإِبِلَ وَالْبَقَرَ فِي أَفْخَاذِهَا وَالْغَنَمَ فِي أُصُولِ آذَانِهَا وَيَجْعَلُ مِيسَمَ الصَّدَقَةَ مَكْتُوبًا لِلَّهِ وَيَجْعَلُ مِيسَمَ الْغَنَمِ أَلْطَفَ مِنْ مِيسَمِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ، وَإِنَّمَا قُلْت يَنْبَغِي لَهُ لِمَا بَلَغَنَا أَنَّ عُمَّالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا يَسِمُونَ، وَكَذَلِكَ بَلَغَنَا أَنَّ عُمَّالَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله تعالى عنه كَانُوا يَسِمُونَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: إنَّ فِي الظَّهْرِ نَاقَةً عَمْيَاءَ فَقَالَ عُمَرُ نَدْفَعُهَا إلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَنْتَفِعُونَ بِهَا قَالَ: فَقُلْت وَهِيَ عَمْيَاءُ؟ فَقَالَ يَقْطُرُونَهَا بِالْإِبِلِ قُلْت: فَكَيْفَ تَأْكُلُ مِنْ الْأَرْضِ؟ فَقَالَ عُمَرُ أَمِنْ نَعَمِ الْجِزْيَةِ أَمْ مِنْ نَعَمِ الصَّدَقَةِ؟ فَقُلْت: لاَ. بَلْ مِنْ نَعَمِ الْجِزْيَةِ فَقَالَ عُمَرُ أَرَدْتُمْ وَاَللَّهِ أَكْلَهَا فَقُلْت: إنَّ عَلَيْهَا وَسْمَ الْجِزْيَةِ قَالَ فَأَمَرَ بِهَا عُمَرُ فَأُتِيَ بِهَا فَنُحِرَتْ وَكَانَتْ عِنْدَهُ صِحَافٌ تِسْعٌ فَلاَ تَكُونُ فَاكِهَةٌ وَلاَ طُرْفَةٌ إلَّا جَعَلَ مِنْهَا فِي تِلْكَ الصِّحَافِ فَبَعَثَ بِهَا إلَى أَزْوَاجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَكُونُ الَّذِي يَبْعَثُ بِهِ إلَى حَفْصَةَ مِنْ آخِرِ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ نُقْصَانٌ كَانَ فِي حَظِّ حَفْصَةَ، قَالَ فَجَعَلَ فِي تِلْكَ الصِّحَافِ مِنْ لَحْمِ تِلْكَ الْجَزُورِ فَبَعَثَ بِهَا إلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَرَ بِمَا بَقِيَ مِنْ اللَّحْمِ فَصُنِعَ فَدَعَا الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَلَمْ تَزَلْ السُّعَاةُ يَبْلُغُنِي عَنْهُمْ أَنَّهُمْ يَسِمُونَ كَمَا وَصَفْت، وَلاَ أَعْلَمُ فِي الْمِيسَمِ عِلَّةً إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا أُخِذَ مِنْ الصَّدَقَةِ مَعْلُومًا فَلاَ يَشْتَرِيهِ الَّذِي أَعْطَاهُ؛ لِأَنَّهُ شَيْءٌ خَرَجَ مِنْهُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَمَا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فِي فَرَسٍ حُمِلَ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَرَآهُ يُبَاعُ أَنْ لاَ يَشْتَرِيَهُ، وَكَمَا تَرَكَ الْمُهَاجِرُونَ نُزُولَ مَنَازِلِهِمْ بِمَكَّةَ؛ لِأَنَّهُمْ تَرَكُوهَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: إذَا تَوَلَّى الرَّجُلُ قَسْمَ الصَّدَقَةِ قَسَمَهَا عَلَى سِتَّةِ أَسْهُمٍ أَسْقَطَ مِنْهَا سَهْمَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ إلَّا أَنْ يَجِدَهُمْ فِي الْحَالِ الَّتِي وَصَفْت يَشْخَصُونَ لِمَعُونَةٍ عَلَى أَخْذِ الصَّدَقَةِ فَيُعْطِيهِمْ، وَلاَ سَهْمَ لِلْعَامِلِينَ فِيهَا، وَأُحِبُّ لَهُ مَا أَمَرْت بِهِ الْوَالِيَ مِنْ تَفْرِيقِهَا فِي أَهْلِ السُّهْمَانِ مِنْ أَهْلِ مِصْرِهِ كُلِّهِمْ مَا كَانُوا مَوْجُودِينَ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْ صِنْفٍ مِنْهُمْ إلَّا وَاحِدٌ أَعْطَاهُ سَهْمَ ذَلِكَ الصِّنْفِ كُلَّهُ إنْ اسْتَحَقَّهُ، وَذَلِكَ أَنِّي إنْ لَمْ أُعْطِهِ إيَّاهُ، فَإِنَّمَا أُخْرِجُهُ إلَى غَيْرِهِ مِمَّنْ لَهُ مَعَهُ قَسْمٌ فَلَمْ أُجِزْ أَنْ أُخْرِجَ عَنْ صِنْفٍ سَمَّوْا شَيْئًا وَمِنْهُمْ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ. قال: وَإِنْ وُجِدَ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ مِنْهُمْ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ وَضَاقَتْ زَكَاتُهُ أَحْبَبْت أَنْ يُفَرِّقَهَا فِي عَامَّتِهِمْ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَأَقَلُّ مَا يَكْفِيهِ أَنْ يُعْطِيَ مِنْهُمْ ثَلاَثَةً؛ لِأَنَّ أَقَلَّ جِمَاعِ أَهْلِ سَهْمٍ ثَلاَثَةٌ إنَّمَا ذَكَرَهُمْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِجِمَاعِ فُقَرَاءَ وَمَسَاكِينَ، وَكَذَلِكَ ذَكَرَ مَنْ مَعَهُمْ، فَإِنْ قَسَمَهُ عَلَى اثْنَيْنِ، هُوَ يَجِدُ ثَالِثًا ضَمِنَ ثُلُثَ السَّهْمِ، وَإِنْ أَعْطَاهُ وَاحِدًا ضَمِنَ ثُلُثَيْ السَّهْمِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَ أَهْلَ صِنْفٍ وَهُمْ مَوْجُودُونَ ضَمِنَ سَهْمَهُمْ، وَهَكَذَا هَذَا مِنْ أَهْلِ كُلِّ صِنْفٍ، فَإِنْ أَخْرَجَهُ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ غَيْرِهِ كَرِهْت ذَلِكَ لَهُ، وَلَمْ يَبِنْ لِي أَنْ أَجْعَلَ عَلَيْهِ الْإِعَادَةَ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ قَدْ أَعْطَاهُ أَهْلَهُ بِالِاسْمِ، وَإِنْ تَرَكَ مَوْضِعَ الْجِوَارِ، وَإِنْ كَانَتْ لَهُ قَرَابَةٌ مِنْ أَهْلِ السُّهْمَانِ مِمَّنْ لاَ تَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ عَلَيْهِ أَعْطَاهُ مِنْهَا وَكَانَ أَحَقَّ بِهَا مِنْ الْبَعِيدِ مِنْهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ يَعْلَمُ مِنْ قَرَابَتِهِ أَكْثَرَ مِمَّا يَعْلَمُ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَكَذَلِكَ خَاصَّتُهُ وَمَنْ لاَ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ مِنْ قَرَابَتِهِ مَا عَدَا أَوْلاَدَهُ وَوَالِدَيْهِ، وَلاَ يُعْطِي وَلَدَ الْوَلَدِ صَغِيرًا وَلاَ كَبِيرًا وَلاَ زَمِنًا وَلاَ أَبًا وَلاَ أُمًّا وَلاَ جَدًّا وَلاَ جَدَّةً زَمْنَى. قَالَ الرَّبِيعُ: لاَ يُعْطِي الرَّجُلُ مِنْ زَكَاةِ مَالِهِ لاَ أَبًا وَلاَ أُمًّا وَلاَ ابْنًا وَلاَ جَدًّا وَلاَ جَدَّةً وَلاَ أَعْلَى مِنْهُمْ إذَا كَانُوا فُقَرَاءَ مِنْ قِبَلِ أَنَّ نَفَقَتَهُمْ تَلْزَمُهُ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ بِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانُوا غَيْرَ زَمْنَى لاَ يُغْنِيهِمْ كَسْبُهُمْ فَهُمْ فِي حَدِّ الْفَقْرِ لاَ يُعْطِيهِمْ مِنْ زَكَاتِهِ، وَتَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ، وَإِنْ كَانُوا غَيْرَ زَمْنَى مُسْتَغْنِينَ بِحِرْفَتِهِمْ لَمْ تَلْزَمْهُ نَفَقَتُهُمْ وَكَانُوا فِي حَدِّ الْأَغْنِيَاءِ الَّذِينَ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذُوا مِنْ زَكَاةِ الْمَالِ، وَلاَ يَجُوزُ لَهُ وَلاَ لِغَيْرِهِ أَنْ يُعْطِيَهُمْ مِنْ زَكَاةِ مَالِهِ شَيْئًا، وَهَذَا عِنْدِي أَشْبَهُ بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلاَ يُعْطِي زَوْجَتَهُ؛ لِأَنَّ نَفَقَتَهَا تَلْزَمُهُ، وَإِنَّمَا قُلْت: لاَ يُعْطِي مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ أَغْنِيَاءُ بِهِ فِي نَفَقَاتِهِمْ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ كَانَتْ امْرَأَتُهُ، أَوْ ابْنٌ لَهُ بَلَغَ فَادَّانَ ثُمَّ زَمِنَ وَاحْتَاجَ، أَوْ أَبٌ لَهُ دَائِنًا، أَعْطَاهُمْ مِنْ سَهْمِ الْغَارِمِينَ، وَكَذَلِكَ مِنْ سَهْمِ ابْنِ السَّبِيلِ، وَيُعْطِيهِمْ بِمَا عَدَا الْفَقْرَ وَالْمَسْكَنَةَ؛ لِأَنَّهُ لاَ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الدَّيْنِ عَنْهُمْ وَلاَ حَمْلُهُمْ إلَى بَلَدٍ أَرَادُوهُ، فَلاَ يَكُونُونَ أَغْنِيَاءَ عَنْ هَذَا كَمَا كَانُوا أَغْنِيَاءَ عَنْ الْفَقْرِ وَالْمَسْكَنَةِ بِإِنْفَاقِهِ عَلَيْهِمْ. قال: وَيُعْطِي أَبَاهُ وَجَدَّهُ وَأُمَّهُ وَجَدَّتَهُ وَوَلَدَهُ بَالِغِينَ غَيْرَ زَمْنَى مِنْ صَدَقَتِهِ إذَا أَرَادُوا سَفَرًا؛ لِأَنَّهُ لاَ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ فِي حَالاَتِهِمْ تِلْكَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَيُعْطِي رِجَالَهُمْ أَغْنِيَاءَ وَفُقَرَاءَ إذَا غَزَوْا، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانُوا مِنْ غَيْرِ آلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَأَمَّا آلُ مُحَمَّدٍ الَّذِينَ جُعِلَ لَهُمْ الْخُمُسُ عِوَضًا مِنْ الصَّدَقَةِ فَلاَ يُعْطَوْنَ مِنْ الصَّدَقَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ شَيْئًا، قَلَّ، أَوْ كَثُرَ، لاَ يَحِلُّ لَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوهَا وَلاَ يُجْزِئُ عَمَّنْ يُعْطِيهُمُوهَا إذَا عَرَفَهُمْ، وَإِنْ كَانُوا مُحْتَاجِينَ وَغَارِمِينَ وَمِنْ أَهْلِ السُّهْمَانِ، وَإِنْ حُبِسَ عَنْهُمْ الْخُمُسُ وَلَيْسَ مَنْعُهُمْ حَقَّهُمْ فِي الْخُمُسِ، يُحِلُّ لَهُمْ مَا حَرُمَ عَلَيْهِمْ مِنْ الصَّدَقَةِ. قال: وَآلُ مُحَمَّدٍ الَّذِينَ تَحْرُمُ عَلَيْهِمْ الصَّدَقَةُ الْمَفْرُوضَةُ أَهْلُ الْخُمُسِ، وَهُمْ أَهْلُ الشِّعْبِ، وَهُمْ صُلْبِيَّةُ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ، وَلاَ يَحْرُمُ عَلَى آلِ مُحَمَّدٍ صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ إنَّمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ الصَّدَقَةُ الْمَفْرُوضَةُ، أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَشْرَبُ مِنْ سِقَايَاتِ النَّاسِ بِمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَقُلْت لَهُ: أَتَشْرَبُ مِنْ الصَّدَقَةِ وَهِيَ لاَ تَحِلُّ لَك؟ فَقَالَ: إنَّمَا حَرُمَتْ عَلَيْنَا الصَّدَقَةُ الْمَفْرُوضَةُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَتَصَدَّقَ عَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ بِأَمْوَالِهِمَا، وَذَلِكَ أَنَّ هَذَا تَطَوُّعٌ، وَقَبِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْهَدِيَّةَ مِنْ صَدَقَةٍ تُصُدِّقَ بِهَا عَلَى بَرِيرَةَ، وَذَلِكَ أَنَّهَا مِنْ بَرِيرَةَ تَطَوُّعٌ لاَ صَدَقَةٌ. قال: وَإِذَا تَوَلَّى الْعَامِلُ قَسْمَ الصَّدَقَاتِ قَسَمَهَا عَلَى مَا وَصَفْت وَكَانَ الْأَمْرُ فِيهَا عَلَيْهِ وَاسِعًا؛ لِأَنَّهُ يَجْمَعُ صَدَقَاتٍ عَامَّةً فَتَكْثُرُ فَلاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُؤْثِرَ فِيهَا أَحَدًا عَلَى أَحَدٍ عَلِمَ مَكَانَهُ، فَإِنْ فَعَلَ عَلَى غَيْرِ الِاجْتِهَادِ خَشِيت عَلَيْهِ الْمَأْثَمَ، وَلَمْ يَبِنْ لِي أَنَّ أُضَمِّنَهُ إذَا أَعْطَاهَا أَهْلَهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ نَقَلَهَا مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ فِيهِ أَهْلُ الْأَصْنَافِ لَمْ يَتَبَيَّنْ لِي أَنْ أُضَمِّنَهُ فِي الْحَالَيْنِ. قال: وَلَوْ ضَمَّنَهُ رَجُلٌ كَانَ مَذْهَبًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قال: فَأَمَّا لَوْ تَرَكَ الْعَامِلُ أَهْلَ صِنْفٍ مَوْجُودِينَ حَيْثُ يَقْسِمُهَا، هُوَ يَعْرِفُهُمْ وَأَعْطَى حَظَّهُمْ غَيْرَهُمْ ضَمِنَ؛ لِأَنَّ سَهْمَ هَؤُلاَءِ بَيِّنٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَلَيْسَ أَنْ يَعُمَّهُمْ بَيِّنًا فِي النَّصِّ، وَكَذَلِكَ إذَا قَسَمَهَا الْوَالِي لَهَا فَتَرَكَ أَهْلَ سَهْمٍ مَوْجُودِينَ ضَمِنَ لِمَا وَصَفْت. قَالَ الشَّافِعِيُّ: الْفَقِيرُ الَّذِي لاَ حِرْفَةَ لَهُ وَلاَ مَالَ، وَالْمِسْكِينُ الَّذِي لَهُ الشَّيْءُ وَلاَ يَقُومُ بِهِ.
|